ليوسف ـ عليهالسلام ـ ولم يخطر ببال أحدٍ بأنّ هذا السجود كان عبادة لآدم أو ليوسف ، والسبب في ذلك هو أنّ الذين سجدوا لآدم وليوسف لم يعتقدوا لهما بالألوهيّة والربوبيّة ، ولم يعتبروهما مصدراً لأفعال الله تعالى ، بل كان ذلك من باب التعظيم والتكريم لا العبادة ، كما هو واضح.
إنّ الوهّابيّين عند ما يواجهون هذه الآيات القرآنية لا يُقرّون ولا يخضعون لها ، بل تراهم يبحثون ـ هنا وهناك ـ عن تبرير وذريعة لها ، فيقولون : إنّ سجود أُولئك لا يُعتبر عبادة ، لأنّه كان بأمر الله تعالى.
والجواب : صحيح أنّ كلّ ذلك ـ حتّى سجود إخوة يوسف ـ كان بأمر الله أو رضاه ، ولكن الشيء الّذي يتغافل عنه الوهّابيّون ويتجاهلونه هو أنّ حقيقة العمل أيضاً لم تكن عبادة ، ولهذا أمر الله به ، ولو كان سجودهم عبادة للمسجود له لما أمر الله بذلك أبداً ، لأنّ الأمر لا يُخرج العبادة عن حقيقتها ولا يجعل الشرك توحيداً. قال تعالى :
(... قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ). (١)
والخلاصة : أنّ حقيقة العمل يجب أن تكون غير عباديّة قبل صدور الأمر بها من الله تعالى ، حتّى يتعلّق الأمر بها ، ولا يُتصوّر ـ بأيّ وجه ـ أن يكون العمل عبادة فيتعلّق الأمر فيخرج عن العباديّة.
إنّ هذا التبرير الّذي يلجأ إليه الوهّابيّون ـ والّذي طالما سمعناه من مشايخهم في مكّة والمدينة ـ إنّما يدلّ على الجمود الّذي يعيشونه تجاه المعارف القرآنية ، وعدم معرفتهم بأنّ العبادة لها حقيقة مستقلّة ، يطرأ عليها الأمر تارةً ، والنهي تارةً أُخرى ، أي أنّ الشيء ـ بذاته ـ عبادة ، فيأمر الله تعالى به أو ينهى عنه ،
__________________
(١) الأعراف : ٢٨.