البدن ، فيفيد كل عضو قوة بها يتم نفعه من القوى المذكورة. فيما سبق احتج القائلون بكونها من قبيل الأجسام بوجوه :
الأول : أن المدرك للكليات أعني النفس هو بعينه المدرك للجزئيات. لأنا نحكم بالكلي على الجزئي. كقولنا هذه الحرارة حرارة ، والحكم بين الشيئين ، لا بد أن يتصورهما ، والمدرك للجزئيات جسم ، لأنا نعلم بالضرورة ، أنا إذا لمسنا النار ، كان المدرك لحرارتها ، هو العضو اللامس ، ولأن غير الانسان من الحيوانات يدرك الجزئيات ، مع الاتفاق على أنا لا نثبت لها نفوسا مجردة.
وردّ بأنا لا نسلم أن المدرك لهذه الحرارة هو العضو اللامس ، بل النفس بواسطته ، ونحن لا ننازع في أن المدرك للكليات والجزئيات هو النفس ، لكن للكليات بالذات وللجزئيات بالآلات ، وإذا لم يجعل العضو مدركا أصلا ، لا يلزم أن يكون الإدراك مرتين ، والإنسان مدركين على ما قيل.
ويمكن دفعه بأنه يستلزم إما إثبات النفوس المجردة للحيوانات الأخر ، وإما جعل إحساساتها للقوى والأعضاء ، وإحساسات الإنسان للنفس بواسطتها مع القطع بعدم التفاوت.
الثاني : أن كل واحد منا يعلم قطعا أن المشار إليه بأنا وهو النفس. متصف بأنه حاضر هناك ، وقائم وقاعد (١) وماش وواقف ، ونحو ذلك من خواص الأجسام والمتصف بخاصة الجسم جسم. وقريب من ذلك ما يقال : إن للبدن إدراكات هي بعينها إدراكات المشار إليه ، بأنا أعني النفس ، مثل إدراك حرارة النار ، وبرودة الجمد (٢) ، وحلاوة العسل ، وغير ذلك من المحسوسات ، فلو كانت النفس مجردة ، أو مغايرة للبدن ، امتنع أن تكون صفتها غير صفته (٣).
والجواب : أن المشار إليه. بأنا وإن كان هو النفس على الحقيقة ، لكن كثيرا ما
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (وقاعد).
(٢) في (ب) الثلج بدلا من (الجمد).
(٣) في (ب) عين بدلا من (غير).