يشار به إلى البدن (١) أيضا ، لشدة ما بينهما من التعلق ، فحيث توصف بخواص الأجسام كالقيام والقعود ، وكإدراك المحسوسات عند من يجعل المدرك نفس الأعضاء والقوى لا النفس بواسطتها ، فالمراد به البدن.
وليس معنى هذا الكلام ، أنه لشدة تعلقها بالبدن ، واستغراقها في أحواله غفل فيحكم عليها بما هو من خواص الأجسام على ما فهمه صاحب الصحائف ، ليلزم كونها في غاية الغفلة.
الثالث : أنها لو كانت مجردة لكانت نسبتها إلى جميع البدن على السواء ، فلم تتعلق ببدن دون آخر ، وعلى تقدير التعلق ، جاز أن تنتقل من بدن إلى بدن آخر ، وحينئذ لم يصلح القطع بأن زيدا الآن هو الذي كان بالأمس.
وردّ بأن لا نسلم أن نسبتها إلى الكل على السواء ، بل لكل نفس بدن لا يليق بمزاجه واعتداله إلا تلك النفس الفائضة بحسب استعداده الحاصل باعتداله الخاص.
الرابع : النصوص الظاهرة من الكتاب والسنة تدل على أنها تبقى بعد خراب البدن وتتصف بما هو من خواص الأجسام كالدخول في النار ، وعرضها عليها ، وكالترفرف حول الجنازة ، وككونها في قناديل من نور ، أو في جوف طيور خضر (٢) ،
__________________
(١) بدن الإنسان جسده وقوله تعالى : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) قالوا : بجسد لا روح فيه. قال الأخفش ، وأما قول من قال : بدرعك فليس بشيء. ورجل بدن : أي مسن. قال الأسود بن يعفر.
هل لشباب فات من مطلب |
|
أم ما بكاء البدن الأشيب |
والبدن : الدرع القصيرة. والبدنة : ناقة أو بقرة تنحر بمكة سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها ، والجمع بدن ، وبدّن أي أسن قال حميد الأرقط :
وكنت خفت الشيب والتبدينا |
|
والهم مما يذهل القرينا |
وفي الحديث «إني قد بدنت فلا تبادروني بالركوع والسجود».
(٢) روى الإمام مسلم في كتاب الإمارة باب في بيان أن أرواح الشهداء في الجنة ، وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون. حدثنا أسباط وأبو معاوية قالا حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق ، قال : سألنا عبد الله عن هذه الآية (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) قال : أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال : أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوى إلى تلك القناديل فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال : هل تشتهون شيئا ـ