وأمثال ذلك ، ولا خفاء في احتمال التأويل ، وكونها على طريق التمثيل ، ولهذا تمسك بها القائلون بتجرد النفوس زعما منهم ، أن مجرد مغايرتها للبدن يفيد ذلك ، وقد يستدل بأنها لا دليل على تجردها ، فيجب أن لا تكون مجردة ، لأن الشيء إنما يثبت بدليل ، وهو مع ابتنائه على القاعدة الواهية يعارض بأنه لا دليل على كونها جسما أو جسمانيا ، فيجب أن لا تكون كذلك.
[قال (احتجوا)
بوجوه :
الأول : أنها بتعلقها تكون محلا لما ليس بمادي كالمجردات ، ولما يمتنع اختصاصه لوضع ومقدار كالكليات ، ولما لا يقبل الانقسام كالوجود ، والوحدة ، والنقطة ، وسائر البسائط التي إليها تنتهي المركبات ، ولا يمتنع اجتماعه في جسم كالضدين ، بل الصور والأشكال المختلفة دون مجرد ، إذ لا تزاحم فيه بين الصور ، ولو من الضدين أو النقيضين ، ومبناه على أن كون التعقل بحصول الصورة ، وعلى نفي ذي وضع غير منقسم ، وعلى تساوي الصورة وذي الصورة ، في التجرد وفي الوضع والمقدار ، وفي قبول الانقسام ، وفي التضاد وإعدامها ، وعلى استلزام انقسام المحل انقسام الحال ، فيما يكون الحلول لذات المحل ، لا لطبيعة تلحقه كالنقطة في الخط المتناهي].
أي احتج القائلون بتجرد النفس بوجوه :
الأول : أنها تكون محلا لأمور يمتنع حلولها في الماديات ، وكل ما هو كذلك يكون مجردا بالضرورة. أما بيان كونها محلا لأمور هذا شأنها ، فلأنها تتعقلها وقد سبق أن التعقل ، إنما يكون بحلول الصورة ، وانطباع المثال ، والمادي لا يكون صورة لغير المادي ، ومثالا له.
__________________
ـ قالوا : أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا». ورواه أبو داود في الجهاد ٢٥ ، والترمذي في التفسير سورة ٣ ، ١٩ وابن ماجه في الجنائز ٤ والجهاد ١٦ وأحمد بن حنبل في المسند ٦ : ٣٨٦.