وأما بين تلك الأمور وامتناع حلولها في المادة ، فهو أن من جملة معقولاتها الواجب وأن لم تعقله بالكنه ، والجواهر المجردة ، وإن لم نقل بوجودها في الخارج ، إذ ربما يعقل المعنى فيحكم بأنه موجود ، أو ليس بموجود ، ولا خفاء في امتناع حلول (١) صورة المجرد في المادي ، ومنها المعاني الكلية التي لا يمنع نفس تصورها الشركة كالإنسانية المتناولة بزيد وعمرو ، فإنها يمتنع اختصاصها بشيء من المقادير والأوضاع والكيفيات وغير ذلك ، مما لا ينفك عنه الشيء المادي في الخارج ، بل يجب تجردها عن جميع ذلك ، وإلا لم تكن متناولة لما ليس له ذلك. والحاصل أن الحلول في المادي ، يستلزم الاختصاص بشيء من المقادير ، والأوضاع والكيفيات ، وغير ذلك (٢). والكلية تنافي ذلك. فلو لم تكن النفس مجردة لم تكن محلا للصورة الكلية ، عاقلة لها ، واللازم باطل. ومنها المعاني التي لا تقبل الانقسام ، كالوجود والوحدة ، والنقطة وغير ذلك. وإلا لكان كل معقول مركبا من أجزاء غير متناهية بالفعل وهو محال.
ومع ذلك ، فالمطلوب وهو وجود ما لا ينقسم أصلا ، حاصل ، لأن الكثرة عبارة عن الوحدات ، وإذا كان من المعقولات ما هو واحد غير منقسم (لزم أن يكون محله العاقل له غير جسم ، بل مجردا ، لأن الجسم والجسماني منقسم) (٣). وانقسام المحل مستلزم لانقسام الحال ، فيما يكون الحلول لذات المحل ، كحلول السواد والحركة والمقدار في الجسم ، لا لطبيعة تلحقه ، كحلول النقطة في الخط لتناهيه ، وكحلول الشكل في السطح ، لكونه ذا نهاية واحدة أو أكثر ، وكحلول المحاذاة في الجسم ، من حيث وجود جسم آخر على وضع ما فيه ، وكحلول الوحدة في الأجزاء من حيث هي مجموع ، ومنها المعاني التي لا يمكن اجتماعها إلا في المجردات دون الجسم ، كالضدين وكعدة من الصور والاشكال ، فإنه لا تزاحم بينها في العقل ، بل نتصورها ، ونحكم فيما بينها ، بامتناع الاجتماع في محل واحد من المواد الخارجية حكما ضروريا.
__________________
(١) سقط من (أ) لفظ (حلول).
(٢) سقط من (ب) لفظ (وغير ذلك)
(٣) ما بين القوسين سقط من (ب).