على الوجهين بمنع بعض المقدمات ، أي لا نسلّم امتناع صدور الكثير عن الواحد. وقد تكلمنا على دليله ، ولو سلّم ، فلم لا يجوز أن يكون الواجب مختارا يصدر عنه الكثرة بواسطة الإرادة؟ ولا نسلّم أن أول (١) ما يصدر عن الواجب يلزم أن يكون أحد الأمور المذكورة. لم لا يجوز أن يكون صفة من صفات الواجب ، ثم يصدر المعلول الثاني والثالث عن تلك الصفة ، أو عن الذات بواسطتها ، ولا نسلّم أن المعلول الأول يجب أن يكون موجبا لما بعده ، لجواز أن يكون واسطة ، وحينئذ يجوز أن يكون أول ما يصدر نفسا أو مادة أو صورة ، ثم يصدر بواسطته البدن ، أو الجزء الآخر من الجسم ، ولا نزاع في جواز صدور الكثير عن الواحد عند اختلاف الجهات ، والاعتبارات ، ولا نسلّم أن البدن شرط لفاعلية النفس ، بل لإدراكاتها.
فإن قيل : فتكون مستغنية عن المادة في الذات والفعل ، ولا نعني بالعقل سوى هذا.
قلنا : المدعي إثبات جوهر مفارق في ذاته ، وفعله ، إيجادا كان أو إدراكا ، ويجوز أن يكون الصادر الأول مستغنيا في فعله الإيجادي دون الإدراكي ، فإن اشترط في النفس الاحتياج إلى المادة في الإدراك فقط ، كان هذا نفسا أو فيهما جميعا كان هذا غير العقل والنفس فلا يتم المطلوب.
[قال (الثالث) :
إن دوام حركات الأفلاك بالإرادة لا يجوز أن يكون إلا لنيل شبه دائم غير منقسم بمعقول كامل بالفعل ، لا يتناهى كمالا ، وإلا لزم الانقطاع أو طلب المحال. وليس هو الواجب ، وإلا لم تختلف الحركات فيتعين العقل ، وردّ بمنع أكثر المقدمات].
أي ثالث وجوه الاحتجاج على ثبوت العقل. أنه قد ثبت أن حركات الأفلاك
__________________
(١) سقط من (أ) لفظ (أول)