لا بدّ أن تصفه. قال ضرار : أما إذا لا بدّ من وصفه فانه كان والله بعبد المدى شديد القوى ، يقول فصلا ويحكم عدلا ، يتفجر العلم من جوانبه وتنطف الحكمة من نواجذه ، وكان حسن المعاشرة سهل المباشرة ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته ، وكان غزير العبرة طويل الفكرة يقلب كفه ويحاسب نفسه ، يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب ، وكان فينا والله كأحدنا ومع قربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له ، فاذا تكلم كأنه اللؤلؤ المنظوم ، لا يطمع القوى في باطله ولا يبأس الضعيف من عدله ، واشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين وهو يقول : «يا دنيا غري غيري أبي تعرضت أم الي تشوقت ، هيهات لا حاجة لي فيك قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيها ، فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كبير ، آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق» فبكى معاوية وقال : رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال : حزن من ذبح ولدها في حجرها فهي لا ترقأ عبرتها ولا تسكن حرارتها.
(الامام):
يقول العقاد في عبقرية الامام علي بن ابي طالب (ع) : من هذه الألقاب الشائعة لقب الامام الّذي اختص به علي بين جميع الخلفاء الراشدين ، والذي اذا أطلق فلا ينصرف الى أحد غيره بين جميع الأئمة الذين وسموا بهذه السمة من سابقيه ولاحقيه.
ويقول : وذاك هو علي بن ابي طالب كما لقبه الناس وجرى لقبه على الألسنة ، فعرفه به الطفل وهو يسمع أماديحه المنغومة في الطرقات بغير حاجة إلى تسمية أو تعريف.
وخاصة اخرى من خواص الامامة ينفرد بها علي ولا يجاريه فيها غيره ،