وكذلك حاله عند القواد والوزراء والكتاب وعامة الناس ، كنت يوما قائما على رأس أبي وهو يوم مجلسه للناس اذ دخل حجابه فقالوا : ابو محمد بن الرضا بالباب ، فقال بصوت عال : ائذنوا له. فتعجبت منه ومنهم من جسارتهم أن يكنوا رجلا بحضرة أبي ولم يكن عنده الا خليفة او ولي عهد او من امر السلطان أن يكنى ، فدخل رجل اسمر أعين حسن القامة جميل الوجه جيد البدن حديث السن له جلالة وهيبة حسنة ، فلما نظر إليه ابي قام فمشى إليه خطوات ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم والقواد واولياء العهد ، فلما دنا منه عانقه وقبل وجهه وصدره ومنكبيه وأخذ بيده وأجلسه على مصلاه الذي كان عليه ، وجلس إلى جنبه مقبلا عليه بوجهه وجعل يكلمه ويفديه بنفسه وابويه ، وأنا متعجب مما ارى منه اذ دخل الحاجب فقال : جاء (الموفق) وهو أخو المعتمد الخليفة العباسي ، وكان الموفق اذا دخل على أبي تقدمه حجابه وخاصة قواده فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين إلى أن يدخل ، ويخرج فلم يزل أبي مقبلا على أبي محمد يحدثه حتى نظر إلى غلمان الموفق فقال له حينئذ : إذا شئت جعلني الله فداك أبا محمد. ثم قال لحجابه : خذوا به خلف السماطين حتى لا يراه هذا ـ يعني الموفق ـ فقام وقام أبي فعانقه ومضى. فقلت لحجاب أبي وغلمانه : ويحكم من هذا الذي كنيتموه بحضرة أبي وفعل به أبي هذا الفعل؟ فقالوا : هذا علوي يقال له الحسن بن علي ويعرف بابن الرضا ، فازددت تعجبا ولم ازل يومي ذلك قلقا متفكرا في أمره وامر أبي وما رأيته منه حتى كان الليل ، وكانت عادته أن يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات وما يرفعه إلى السلطان ، فلما صلى وجلس جئت فجلست بين يديه فقال : ألك حاجة؟ فقلت : نعم فان اذنت سألتك عنها. قال : أذنت. قلت : من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت