فاذا انشأ ما هو ابلغ منه رفعوا الأول وعلقوا الثاني ، فلما نزل قوله تعالى (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) رفعوا المعلقات من الكعبة واخفوها من الفضيحة.
(الثالث) من جهة غرابة الاسلوب واعجوبة النظم ، فان من تتبع كتب الفصحاء واشعار البلغاء وكلمات الحكماء لا يجدها شبيهة بهذا النظم العجيب والأسلوب الغريب والملاحة والفصاحة ، ويكفيك نسبة الكفار له الى السحر لأخذه بمجامع القلوب.
(الرابع) من حيث عدم الاختلاف فيه (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) فلا تجد فيه مع هذا الطول كلمة خالية من الفصاحة خارجة عن نظمه واسلوبه ، وافصح الفصحاء اذا تكلم بكلام طويل تجد في كلامه أو اشعاره غاية الاختلاف في الجودة والرداءة.
وأيضا لا اختلاف في معانيه ولا تناقض في مبانيه ، ولو كان مجعولا مفتريا كما زعم الكفار لكثر فيه التناقض والتضاد ، فان الكذاب لا حفظ له وفي المثل الفارسى «دروغ گو حافظه ندارد».
(الخامس) من حيث اشتماله على كمال معرفة الله وذاته وصفاته واسمائه مما تحير فيه عقول الحكماء والمتكلمين وتذهل عنه ألباب الاشراقيين والمشائيين في مدة مديدة من الأعوام والسنين.
(السادس) من حيث اشتماله على الآداب الكريمة والشرائع القويمة والطرق المستقيمة ونظام العباد والبلاد والمعاش ورفع النزاع والفساد في المعاملات والمناكحات والمعاشرات والحدود والأحكام والحلال والحرام مما تتحير فيه عقول الأنام ويذعن له أولو العقول والافهام ، ولو اجتمع جميع العقلاء والحكماء والعرفاء وبذلوا كمال جهدهم وسعوا غاية سعيهم في بناء قاعدة لنظام العالم والعباد مثل ما ذكر لعجزوا.