وستّين. فخرج عليه عمّه صاحب كرمان ، فتواقعا وقعة كبيرة بقرب همذان ، فانهزم عمّه ، ثمّ أتي به أسيرا فقال : أمراؤك كاتبوني. وأحضر كتبهم في خريطة ، فناولها لنظام الملك ليقرأها ، فرمى بها في منقل نار بين يديه ، فأحرقها ، فسكنت قلوب الأمراء ، وبذلوا الطّاعة. وكان ذلك سبب ثبات ملكه. وخنق عمّه بوتر. وتمّ له الأمر ، وملك من الأقاليم ما لم يملك أحد من السّلاطين ، فكان في مملكته جميع بلاد ما وراء النّهر ، وبلاد الهياطلة (١) ، وباب الأبواب ، وبلاد الروم ، والجزيرة ، والشّام.
وملك من مدينة كاشغر ، وهي أقصى (٢) مدينة بالتّرك إلى بيت المقدس طولا ، ومن القسطنطينيّة إلى بلاد الخزر وبحر الهند عرضا.
وكان من أحسن الملوك سيرة ، ولذلك كان يلقّب بالسّلطان العادل ، وكان منصورا في حروبه ، مغرى بالعمائر وحفر الأنهار ، وعمّر الأسوار والقناطر ، وعمّر جامعا ببغداد ، وهو جامع السّلطان ، وأبطل المكوس والخفّارات في جميع بلاده. كذا نقل ابن خلّكان في «تاريخه» (٣) ، فالله أعلم.
قال : وصنع بطريق مكّة مصانع للماء ، غرم عليها أموالا كثيرة. وكان لهجا بالصّيد ، حتّى قيل إنّه ضبط ما اصطاده بيده ، فكان عشرة آلاف وحش ، فتصدّق بعشرة آلاف دينار ، وقال : إنّي خائف من الله تعالى لإزهاق الأرواح من غير مأكلة.
شيّع مرّة الحاجّ. فتعدّى العذيب (٤) ، وصاد في طريقه وحشا كثيرا ، يعني هو وجنده ، فبنى هناك منارة ، من حوافر حمر الوحش وقرون الظّباء ، وهي باقية تعرف بمنارة القرون (٥).
وأمّا السّبل فأمنت في أيّامه أمرا زائدا ، ورخصت الأسعار ، وتزوّج أمير
__________________
(١) الهياطلة : مفردها هيطل. اسم لبلاد ما وراء النهر ، وهي بخارى وسمرقند وخجند.
(٢) في الأصل : «أقصى».
(٣) وفيات الأعيان ٥ / ٢٨٤.
(٤) العذيب : هو ماء بين القادسية والمغيثة ، بينه وبين القادسية أربعة أميال. (معجم البلدان ٤ / ٩٢).
(٥) وفيات الأعيان.