ومن شعره :
ونديمة لي في الظّلام وحيدة |
|
أبدا (١) مجاهدة كمثل جهادي |
__________________
= أعدّ شيئا في سفره ، ثقة بقريحته ، فأقام ثلاثة أيام فلم يفتح عليه بعمل بيت واحد ، وعلم أنه يستدعى ولا يليق أن يلقى الأمير بغير مديح ، فأخذ قصيدة من شعر ابن أسد لم يغيّر فيها إلا اسمه. وعلم ابن مروان بذلك ، فغضب من ذلك وقال : يجيء هذا العجمي فيسخر منّا؟ ثم أمر بمكاتبة ابن أسد ، وأمر أن يكتب القصيدة بخطّه ويرسلها إليه ، فخرج بعض الحاضرين فأنهى القضية إلى الغسّاني وكان هذا بآمد. وكان له غلام جلد ، فكتب من ساعته إلى ابن أسد كتابا يقول فيه : إني قدمت على الأمير فأرتج عليّ قول الشعر مع قدرتي عليه ، فادعيت قصيدة من شعرك استحسانا لها وعجبا بها ، ومدحت بها الأمير. ولا أبعد أن نسأل عن ذلك ، فإن سئلت فرأيك الموفق في الجواب. فوصل غلام الغسّاني قبل كتاب ابن مروان ، فجحد ابن أسد أن يكون عرف هذه القصيدة ، أو وقف على قائلها قبل هذا. فلما ورد الجواب على ابن مروان عجب من ذلك وأساء إلى الساعي وشتمه وقال : إنما قصدكم فضيحتي بين الملوك ، وإنما يحملكم على هذا الفعل الحسد منكم لمن أحسن إليه؟ ثم زاد في الإحسان إلى الغسّاني ، وانصرف إلى بلاده ، فلم يمض على ذلك إلا مديدة حتى اجتمع أهل ميّافارقين إلى ابن أسد ، ودعوه إلى أن يؤمّروه عليهم ، ويساعدوه على العصيان ، وإقامة الخطبة للسلطان ملك شاه وحده ، وإسقاط اسم ابن مروان من الخطبة ، فأجابهم إلى ذلك ، وبلغ ذلك ابن أسد أن يكون عرف هذه القصيدة ، أو وقف على قائلها قبل هذا. فلما ورد الجواب على ابن مروان عجب من ذلك وأساء إلى الساعي وشتمه وقال : إنما قصدكم فضيحتي بين الملوك ، وإنما يحملكم على هذا الفعل الحسد منكم لمن أحسن إليه؟ ثم زاد في الإحسان إلى الغسّاني ، وانصرف إلى بلاده ، فلم يمض على ذلك إلا مديدة حتى اجتمع أهل ميّافارقين إلى ابن أسد ، ودعوه إلى أن يؤمّروه عليهم ، ويساعدوه على العصيان ، وإقامة الخطبة للسلطان ملك شاه وحده ، وإسقاط اسم ابن مروان من الخطبة ، فأجابهم إلى ذلك ، وبلغ ذلك ابن مروان ، فحشد له ونزل على ميّافارقين محاصرا فأعجزه أمرها ، فأنفذ إلى نظام الملك والسلطان يستمدّهما ، فأنفذا إليه جيشا ومددا مع الغسّاني الشاعر المذكور آنفا ، وكان قد تقدّم عند نظام الملك والسلطان ، وصار من أعيان الدولة ، وصدقوا في الزحف على المدينة حتى أخذوها عنوة ، وقبض على ابن أسد ، وجيء به إلى ابن مروان فأمر بقتله ، فقام الغسّاني وشدّد العناية في الشفاعة فيه ، فامتنع ابن مروان امتناعا شديدا من قبول شفاعته وقال : إن ذنبه وما أعتمده من شق العصا يوجب أن يعاقب عقوبة من عصى ، وليس عقوبة غير القتل. فقال : بيني وبين هذا الرجل ما يوجب قبول شفاعتي فيه ، وأنا أتكفل به ألّا يجري منه بعد شيء يكره. فاستحيى منه وأطلقه له ، فاجتمع به الغسّاني وقال له : أتعرفني؟ قال : لا والله ، ولكنني أعرف أنك ملك من السماء ، منّ الله بك عليّ لبقاء مهجتي. فقال له : أنا الّذي ادّعيت قصيدتك وسترت عليّ ، وما جزاء الإحسان إلا الإحسان. فقال ابن أسد : ما رأيت ولا سمعت بقصيدة جحدت فنفعت صاحبها أكثر من نفعها إذا ادّعاها غير هذه. فجزاك الله عن مروءتك خيرا ، وانصرف الغسّانيّ من حيث جاء.
وأقام ابن أسد مدّة ساءت حاله ، وجفاه إخوانه ، وعاداه أعوانه ، ولم يقدم أحد على مقاربته ولا مراقدته ، حتى أضرّ به العيش ، فعمل قصيدة مدح بها ابن مروان ، وتوصّل حتى وصلت إليه ، فلما وقف ابن مروان عليها غضب وقال : ما يكفيه أن يخلص منّا رأسا برأس ، حتى يريد منا الرفد والمعيشة ، لقد أذكرني بنفسه ، فاذهبوا به فاصلبوه ، فذهبوا به فصلبوه. (معجم الأدباء ٨ / ٥٧ ـ ٦١).
(١) في معجم الأدباء ، وإنباه الرواة : «مثلي».