وقيل : ركب البحر في الشّتاء من صور (١) إلى الدّيار المصريّة في سنة ستّ وستّين ، والمستنصر في غاية الضعف واختلال الدّولة للغلاء والوباء الّذي تمّ من قريب ، ولاختلاف الكلمة ، فولّاه الأمور كلّها ، من وزارة السّيف ، والقلم ، وقضاء القضاة ، والتقدّم على الدّعاة (٢) ، فضبط الأمور ، وزال قطوع (٣) المستنصر واستفاق.
ولمّا دخل قرأ القارئ : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) (٤) ووقف ، فقال المستنصر : لو أتمّها لضربت عنقه (٥).
ولم يزل إلى أن مات في ذي القعدة سنة ثمان وثمانين (٦).
__________________
(١) هكذا هنا ، وكذا في سير أعلام النبلاء ١٩ / ٨٢ ، أما ابن ميسّر فقال إنه ركب البحر الملح من عكا وكان مقيما بها فسار في أول كانون في مائة مركب ، فقيل له : لم تجر العادة بركوب البحر في الشتاء ، فأبى عليهم وسار إلى دمياط فذكروا (كذا) البحارة أنهم لم يروا صحوة تمادّت أربعين يوما إلّا في هذا الوقت ، فكان أول سعادته. (أخبار مصر ٢ / ٢٢ ، ٢٣) وانظر : أخبار الدول المنقطعة ٧٦.
وقد قال ابن خلّكان إن المستنصر صاحب مصر استناب بدرا الجمالي بمدينة صور ، وقيل :عكا. (وفيات الأعيان / ٤٤٩).
و «أقول» أنا خادم العلم محقق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري» :
الصحيح أن بدرا كان ينوب عن المستنصر في عكا وليس في صور ، لأن صور كانت بيد قاضيها ابن أبي عقيل الّذي استقل بها منذ سنة ٤٦٢ ه. ولم يسترجعها بدر إلا في سنة ٤٨٢ ه. (انظر كتابنا : تاريخ طرابلس السياسي والحضاريّ عبر العصور (طبعة ثانية) ج ١ / ٣٧٠ وفيه مصادر الخبر).
(٢) الإشارة إلى من نال الوزارة ٥٥ ، وقال ابن ميسّر : وخلع على بدر الجمالي بالطيلسان ، وصار المستخدمون في حكمه والدعاة نوّابا عنه ، وكذلك القضاة. وزيد في ألقاب أمير الجيوش : كافل قضاة المسلمين. (أخبار مصر ٢ / ٢٣) وانظر : وفيات الأعيان ٢ / ٤٤٩.
(٣) القطوع : الإدبار والنحس.
(٤) سورة آل عمران ، الآية : ١٢٣.
(٥) وقيل غير ذلك. إن بدرا «لما قدم إلى مصر حضر إليه المتصدّرون بالجامع ، فقرأ ابن العجمي : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) ، وسكت عن تمام الآية ، فقال له بدر : والله لقد جئت في مكانها ، وجاء سكوتك عن تمام الآية أحسن ، وأنعم عليه». (أخبار مصر ٢ / ٢٣).
(٦) وكانت أيامه في مصر إحدى وعشرين سنة. قال علقمة بن عبد الرزاق العليمي : قصدت بدرا الجمالي بمصر ، فرأيت أشراف الناس وكبراءهم وشعراءهم على بابه قد طال مقامهم ، ولم يصلوا إليه ، فبينما أنا كذلك إذ خرج بدر يريد الصيد ، فخرجت في أثره وأقمت معه حتى رجع من صيده ، فلما قاربني وقفت على تلّ من الرمل وأومأت برقعة في يديّ ، وأنشدت :