وقال عبد الواحد بن عليّ المرّاكشيّ في «تاريخه» : (١) غلب المعتمد على قرطبة في سنة إحدى وسبعين ، فأخرج منها ابن عكّاشة ، ثمّ رجع إلى إشبيلية ، واستخلف عليها ولده عبّادا ، ولقّبه المأمون.
وفي سنة تسع وسبعين جاز المعتمد البحر إلى مرّاكش مستنصرا بيوسف بن تاشفين على الرّوم ، فلقيه أحسن لقاء ، وأسرع إجابته وقال : أنا أوّل منتدب لنصرة الدّين.
فرجع مسرورا ، ولم يدر أنّ تدميره في تدبيره ، وسلّ سيفا عليه لا له.
فأخذ ابن تاشفين في أهبة العبور إلى الأندلس ، واستنفر النّاس ، وعبر في سبعة آلاف فارس ، سوى الرّجّالة ، ونزل الجزيرة الخضراء ، وتلقّاه المعتمد ، وقدّم له تحفا جليلة ، وسأله أن يدخل إشبيليّة ، فامتنع وقال : نريد الجهاد.
ثمّ سار بجيوشه إلى شرقيّ الأندلس. وكان الأدفونش ، لعنه الله يحاصر حصنا ، فرجع إلى بلاده يستنفر الفرنج ، وتلقّى ابن تاشفين ملوك الأندلس الّذين كانوا على طريقه كصاحب غرناطة (٢) ، وصاحب المريّة ، وصاحب بلنسية ، ثمّ استعرض جنده على حصن لورقة ، وقال للمعتمد : هلمّ ما جئنا له من الجهاد. وجعل يصغّر قدر الأندلس ويقول : في أوقات كان أمر هذه الجزيرة عندنا عظيما ، فلمّا رأيناها وقعت دون الوصف. وهو في ذلك كلّه يسرّ حسوا في ارتقاء. فسار المعتمد بين يديه ، وقصد طليطلة ، فتكامل عدد المسلمين زهاء عشرين ألفا ، فالتقوا هم والعدوّ بأوّل بلاد الرّوم ، لعنهم الله ، وجاء الأدفونش في جيش عظيم بمرّة ، فلمّا رآهم يوسف قال للمعتمد : ما كنت أظنّ هذا الخنزير يبلغ هذا الحدّ. فالتقوا في ثاني عشر رمضان ، وصبر البربر ، وأبلوا بلاء حسنا ، وهزم الله النّصارى ، وكانت ملحمة مشهودة. ونجا الأدفونش في تسعة من أصحابه. وتسمّى هذه وقعة الزّلّاقة. ففرح أهل الأندلس بالبربر ، وتيمّنوا بهم ، ودعوا لابن تاشفين على المنابر ، فقوي طمعه في الأندلس.
__________________
(١) هو «المعجب في تلخيص أخبار المغرب» ص ١٤١ ، ١٤٢.
(٢) في الأصل : «أغرناطة».