وهذا هو ما صَرَّحَ الآخرون به أيضاً فهذا هو الفخر الرازي يقول : إنّ مذهب الشافعي رضى الله عنه انّ الحالةَ بَين المسلمين إذا شاكَلتْ الحالةَ بَين المسلمِين والمشركين حَلَّتْ التقيّةُ محاماةً على النفسِ.
وقال : التقيّةُ جائزةٌ لصونِ النَّفسِ ، وهل هي جائزةٌ لصونِ المال؟ يُحتَمل أنْ يُحْكَمَ فيها بالجواز لقولهِ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «حُرْمَةُ مالِ المُسْلِمِ كَحُرمةِ دَمِهِ» ولقولِهِ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «مَن قُتِلَ دُون مالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» (١).
وقال أبو هريرة : حَفِظْتُ مِن رسُول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وِعائَين ، أمّا أحَدُهما فَبَثَثْتُهُ في النّاس ، وأمّا الآخرَ فَلَوْ بَثَثْتُهُ لقُطِعَ هذا البلعُومُ. (٢)
إنّ تاريخَ الخُلَفاء الأُمويّين والعَباسييّن زاخرٌ بالظلمِ والعَسْفِ ، والحيْفِ والجَور.
ففي تلكَ الأيّام لم تكنِ الشيعةُ وحدَهم هُمُ المطرودُون ، والمحجور عليهم بسببِ إظهار عقائِدِهم ، بل سَلَكَ أغلَبُ محدّثي أهلِ السُّنّة في عَصرِ المأمون أيضاً مَسْلَكَ التقيّة في محنة «خَلْقِ القرآنِ» وَلم يخالف المأمونَ في خَلْق القرآنِ وحُدُوثهِ بعدَ صُدُور المرسوم الخليفي العامّ ، سوى شخصٍ واحدٍ ، وقصَّتُهُ معروفةٌ في التاريخ وعامّة المحدّثين تظاهروا بالوفاق تقيّةً. (٣)
__________________
(١). تفسير الرازي : ٨ / ١٣.
(٢). محاسن التأويل : ٤ / ٨٢.
(٣). تاريخ الطبري : ٧ / ١٩٥ ـ ٢٠٦.