إنَّ الدليل على التوحيد الربوبيّ واضحٌ تمامَ الوضوح ، لأنّ تدبيرَ عالمِ الخلق ، في مجال الإنسان والكون ، لا ينفصل عن مسألة الخَلْقِ ، وليس شيئاً غير عمليّة الخَلق.
فإذا كانَ خالقُ الكونِ والإنسان واحداً ، كان مدبّرهما بالطبع والبداهة واحداً كذلك ، لوضوح العلاقة الكاملة بين عمليّة التدبير وعملية الخَلْق للعالم.
ولهذا فإنّ الله تعالى عند ما يصف نفسَه بكونه خالِقَ الأشياء يصف نفسَه في ذاتِ الوَقتِ بأنّه مدبّرُها (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ...) (١).
وفي آية أُخرى يعتبر التناسق والانسجام السائد والحاكم على الكون دليلاً على وحدة مدبر العالم إذ يقول : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (٢).
إنَّ التوحيد في التدبير لا ينافي وجودَ مدبّراتٍ أُخرى تقومُ بوظائفها بإذن الله في صفحة الكون ، فهي بالحقيقةِ مظاهِر لِربوبية الحق تعالى.
ولهذا فإنَّ القرآن الكريم مع تأكيده الشديد على التوحيد في الرّبوبيّة والتدبير يصرّح بوجود مدبّراتٍ أُخرى في صفحة الكون إذ يقول : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (٣).
__________________
(١). الرعد / ٢.
(٢). الأنبياء / ٢٢.
(٣). النازعات / ٥.