وعَلى هذا الأساس لا شكّ في كون التكلّم إحدى الصّفات الإلهيّة.
إنّما الكلام هو في حقيقة التكلّم وأنّ هذه الصفة هل هي من صِفات الذات أم من صفات الفعل؟ إذْ مِنَ الواضح أنّ التكلّم بالشَّكل الموجود عند الإنسان لا يجوزُ تصوّرُهُ في الحقّ تعالى.
وحيث إنّ صفَةَ التكلم ممّا نطق بها القرآن الكريم ، وَوَصَف بها الله ، لذلك يجب الرّجوع إلى القرآنِ نفسه لِفَهم حقيقته كذلك.
إنّ القرآن يقسّم تكلّم اللهِ مع عباده ـ كما عرفنا ـ إلى ثلاثةِ أنواع ، إذ يقول : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (١).
إذَن فلا يمكن للبشر أن يكلّمهُ الله إلّا من ثلاث طرق :
١ ـ (وَحْياً) الإلهام القلبي.
٢ ـ (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) كأن يكلّم اللهُ البشرَ من دون أن يراه كتكلّم اللهِ مع موسى عليهالسلام.
٣ ـ (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً ...) أي مَلَكاً يوحي إلى النبيّ بِإذنِ الله تعالى.
ففي هذه الآية بَيَّنَ القرآنُ تكلُّمَ اللهِ بأنّه تعالى يوجدُ الكَلامَ تارةً من دون واسطةٍ ، وَأحْياناً مع الواسطةِ ، عَبر مَلك من الملائكة.
كما أنّ القِسمَ الأوّل تارةً يكون عن طريقِ الإلقاء والإلهام إلى قلب النبي مباشرةً ، وتارةً بالإلقاء إلى سَمْعِهِ ومنه يصلُ الكَلامُ إلى قلبه.
__________________
(١). الشورى / ٥١.