على أنّ لفظة «اليَد» تُستخدَم أحياناً في جميع اللغات للكناية عن القُدرةِ والقُوةِ ، والسلطةِ والحاكميةِ ، ومن هذا الباب قولِهم : فَوْقَ كل يدٍ يدٌ ، أي فوقَ كُلّ قوةٍ قوةٌ أعلى ، وفوق كلّ قدرةٍ قدرةٌ أكبر.
ب : إنّ المقصودَ من الوَجه الذي نُسِبَ إلى الحقّ تعالى هنا هو ذاته سبحانه لا العضوُ الخاص الموجودُ في جسم الإنسان وما يشابِهُهُ.
فالقرآنُ عند ما يتحدّث عن هلاك ما سوى الله وفنائه يقول : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) (١).
ثمّ يخبر عقيبَ ذلك مباشرةً عن بقاء الذات الإِلهيّة ودوامِها وأنّه لا سبيل للفناء إليها فيقول : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (٢).
أي تَبقى ذاته المقدسة ، ولا تفنى أبداً.
من هذا البيان يتّضح بجلاءٍ معنى الآية المبحوثة هنا ويتبين أنّ المقصودَ هو أنّ الله ليس في جهةٍ أو نقطةٍ معيّنةٍ ، بل وجوده محيط بجميع الأشياء فأينما وَلَّيْنا وُجوهَنا ، فقد وَلَّيْنا وجوهَنا شطرهُ.
ثمّ إنّ القرآن أتى لإثبات هذه الحقيقة العظيمة بوصفين لله تعالى :
١ ـ واسعٌ : أيْ إِنّ وجود الله لا نهاية له ولا حدود.
٢ ـ عَلِيمٌ : أيْ إنّه عارفٌ بجميع الأشياء.
ج : في الآية الثالثة يذكر القرآنُ الكريم أنّ نوحاً عليهالسلام كُلّف من جانب
__________________
(١). الرحمن / ٢٦.
(٢). الرحمن / ٢٧.