ومن نظر سير السلف الصالحين والصحابة والتابعين ، علم أنّهم كانوا في غاية الأدب مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد موته ، كما كانوا في حياته ، وكانوا مع قبره الشريف كذلك.
وكيف لا؟! وقد روي عن كعب الأحبار قال : ما من فجر يطلع إلّا نزل سبعون ألفاً من الملائكة حتّى يحفّوا بالقبر ؛ يضربون بأجنحتهم ، ويصلّون على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى إذا أمسوا عرجوا ، وهبط مثلهم ، فصنعوا مثل ذلك ، حتّى إذا انشقّت الأرض خرج في سبعين ألفاً من الملائكة.
فلو لم يكن في الحضور عند القبر إلّا الدعاء بحضرة هؤلاء الملائكة ، فكيف وفيه حضرة سيّد الخلق أجمعين!!
ولذلك كانت الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يغضّون أصواتهم في مسجده صلىاللهعليهوآلهوسلم تعظيماً له.
ففي البخاريّ : عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنّه قال لرجلين من أهل الطائف : لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ؛ ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (١).
ولو جمعنا الأحاديث الصحيحة التي فيها ما كانت الصحابة عليه من تعظيم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتعظيم آثاره ، وأدبهم معه ، لجاءت مجلّدات.
بل الملائكة أيضاً كانوا يسلكون كمال الأدب معه.
كما روى أبو بكر بن أبي شبية في مصنّفه (٢) : حدثنا ابن فضيل ، عن عطاء بن السائب ، عن محارب ، عن ابن بريدة قال : وردنا المدينة ، فأتينا عبد الله بن عمر فقال : كنّا عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأتاه رجل جيّد الثياب ، طيّب الريح ، حسن الوجه فقال : «السلام عليك يا رسول الله».
__________________
(١) صحيح البخاري (١ / ٢٦٢) باب (٣٢٤) رفع الصوت في المسجد.
(٢) المصنّف لابن أبي شيبة.