انتهى ما أردت نقله من كلام ابن تيمية رحمهالله من خطّه ، وأنا عارف بخطّه (١).
وهو يدلّ على ما ذكرناه : من أنّ نزاعه في السفر والزيارة جميعاً ، غير أنّه كلام مختبط ؛ في صدره ما يقتضي منع الزيارة مطلقاً ، وفي آخره ما يقتضي أنّها إن كانت للسلام عليه والدعاء له جازت ، وإن كانت على النوع الآخر الذي ذكره لم يجز.
وبقي قسم لم يذكره : وهو أن تكون للتبرّك به من غير إشراك به.
فهذه ثلاثة أقسام :
أوّلها : السلام والدعاء له.
وقد سلّم جوازه ، وأنّه شرعيّ ، ويلزمه أن يسلّم جواز السفر له ، فإن فرّق في هذا القسم بين أصل الزيارة وبين السفر ـ محتجّاً بالحديث المذكور ـ فقد سبق جوابه.
والقسم الثاني : التبرّك به والدعاء عنده للزائر.
وهذا القسم يظهر من فحوى كلام ابن تيمية رحمهالله أنّه يلحقه بالقسم الثالث ، ولا دليل له على ذلك ، بل نحن نقطع ببطلان كلامه فيه ، وأنّ المعلوم من الدين وسير
__________________
(١) هذه الفتوى لم ينقلها أحد من أتباع ابن تيميّة ، والظاهر أنّها الفتوى القديمة في مسألة الزيارة التي قال عنها ابن عبد الهادي في (العقود ص ٣٢٧) «وكان للشيخ في هذه المسألة كلام متقدّم أقدم من الجواب المذكور بكثير ، وذكره في كتاب «اقتضاء الصراط المستقيم» وغيره وفيه ما هو أبلغ من هذا الجواب الذي ظفروا به.
أقول : وقد ذكرنا أن الإمام السبكي إنّما ألَّف كتاب (شفاء السقام) في مصر حوالي سنة (٧١٦) واعتمد كما يقول هنا ، على هذه الفتوى ، وهي صريحة في منع ابن تيميّة لمطلق زيارة القبر المعظّم ، مضافاً إلى منعه لشدّ الرحال إلى زيارته ، كما أثبته السبكي هنا.
ونفس هذه المقاطع الدالّة على منعه لمطلق الزيارة ، مبثوثة في كتبه ، ومجموع فتاواه ، وفي النقول عنه ، فلاحظ كتابه : الجواب الباهر ـ وهو الذي كتبه بعد تكفير علماء الامّة له ـ وطبع في مجموع الفتاوى (٢٧ / ٤١٤ ـ ٤٤٤) و (ج ١٧ ص ٤٦١) وانظر (١٥ / ١٥٤ و ١٤٣ ـ ١٤٤) والردّ على الأخنائي ومختصره في المجموع (٢٧ / ١١٤ ـ ٢٨٨) واقتضاء الصراط ، وغيرها.