والداعي له إلى طلب ذلك : كمال شفقته على الخلق ، مع إطلاق قوله تعالى : «اشفع تشفّع».
مع كونه اقيم مقام البسط والإدلال ، ومع ذلك لم يقل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا : «ائذن لي» أي ائذن لي في أن أشفع ؛ لأنّه لا يشفع عنده إلّا بإذنه.
فتنبّه لهذه الدقيقة ، فإنّ فيها محافظة على إطلاق قوله تعالى : «اشفع تشفّع» وأنّ شفاعته صلىاللهعليهوآلهوسلم لا تردّ.
ثمّ اعلم : أنّ قوله : «لا إله إلّا الله» من جملة العمل ، وقد سبق في الأحاديث أنّه تعالى يخرج برحمته قوماً لم يعملوا خيراً قطّ.
فإمّا أن يكون المراد لم يعملوا خيراً زائداً على الإيمان.
أو يكون المراد قول : «لا إله إلّا الله» بالقلب وإن لم ينطق بها بلسانه ، فإن كان ذلك كافياً في الملل المتقدّمة في الإيمان ، صحّ الحمل عليه ، وإن كان النطق شرطاً كما هو عندنا ، فيحمل على من تعذّر منه النطق.
فصل [السلف والشفاعة]
قال القاضي عياض : قد عرف بالنقل المستفيض سؤال السلف الصالح رضي الله عنهم شفاعة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم ورغبتهم فيها.
وعلى هذا لا يلتفت إلى قول من قال : إنّه يكره أن يسأل الله تعالى أن يرزقه شفاعة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لكونها لا تكون إلّا للمذنبين ، فإنّها قد تكون ـ كما قدّمنا ـ لتخفيف الحساب ، وزيادة الدرجات.
ثمّ كلّ عاقل معترف بالتقصير ، محتاج إلى العفو ، غير مُعْتَدٍّ بعمله ، مشفق أن يكون من الهالكين.
ويلزم هذا القائل أن لا يدعو بالمغفرة والرحمة! لأنّها لأصحاب الذنوب ،