وكلّها ضعيفة ؛ لأنّها عدول عن الحقيقة إلى المجاز بغير دليل.
فلم يبق إلّا أنّها حياة حقيقيّة الآن ، وأنّ الشهداء أحياء حقيقة ، وهو قول جمهور العلماء.
[حياة الشهداء : للروح أو للجسد؟]
لكن هل ذلك للروح فقط ، أو للجسد معها؟ فيه قولان :
أحدهما : للروح فقط ؛ لما ذكرناه من حديث ابن عبّاس وابن مسعود رضي الله عنهما وأنّ الروح في أجواف طير خضر ، وحياة الجسد إنّما تكون بعود الروح إليه.
والثاني : للجسد معها.
وسنذكر مثل ذلك في سائر الموتى وإثبات حياتهم في قبورهم ؛ وأنّ عذاب القبر ونعيمه للجسد والروح جميعاً ، وإذا كان نعيم غير الشهيد كذلك فنعيم الشهيد أتمّ وأولى وأكمل.
وذكر القرطبيّ : أنّ أجساد الشهداء لا تبلى ، وقد صحّ عن جابر أنّ أباه وعمرو بن الجموح رضي الله عنهم ـ وهما ممّن استشهد بأُحد ، ودفنا في قبر واحد ـ حفر السيل قبرهما ، فوجدا لم يتغيّرا ، وكان أحدهما قد جرح ، فوضع يده على جرحه ، فدفن وهو كذلك ، فاميطت يده عن جرحه ثمّ ارسلت ، فرجعت كما كانت ، وكان بين ذلك وبين احد ستّ وأربعون سنة (١).
__________________
(١) ذكر المؤرخ المتتبع عاتق بن غيث البلادي ـ مؤرخ مكّة المكرّمة وجغرافيّها اليوم ـ أنه لما حُفرت منطقة الشهداء في مكة لتأسيس بعض المباني ، عُثر على قبر فيه جسد طريّ ، ويدُ المدفون على صدره ، فلما أزيحت اليد عن الصدر انبعث الدم ، وكلّما اعيدَت إلى موضعها انقطع الدم ، فتركوا الجسد في الموضع ، وعُفّي عليه. وهذا الموضع هو المعروف باسم «فخّ» الذي كانت فيه معركة بين جماعة من أهل البيت ، والامويين عام (١٣١) للهجرة. وكتب السيّد