فصل [أهل «لا إله إلّا الله»]
وأمّا قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في المرّة الرابعة : «ائذن لي فيمن قال : لا إله إلّا الله» ففيه أقوال :
أحدها : أنّهم الذين معهم مجرّد الإيمان ، قاله القاضي عياض.
قال : وهم الذين لم يؤذن في الشفاعة فيهم ، وإنّما دلّت الآثار على أنّه أذن لمن عنده شيء زائد من العمل على مجرّد الإيمان ، وجعل للشافعين من الملائكة والنبيّين صلوات الله عليهم وسلامه عليه دليلاً عليه ، وتفرّد الله عزوجل بعلم ما تكنّه القلوب ، والرحمة لمن ليس عنده إلّا مجرّد الإيمان ، وضرب بمثال ذرّة المثل لأقلّ الخير ، فإنّها أقلّ المقادير.
قال : والصحيح : أنّ معنى «الخير» شيء زائد على مجرّد الإيمان ؛ لأنّ مجرّد الإيمان الذي هو التصديق لا يتجزّأ ، وإنّما يكون هذا التجزّؤ بشيء زائد عليه : من عمل صالح ، أو ذكر خفيّ ، أو عمل من أعمال القلب ، من شفقة على مسكين ، أو خوف من الله تعالى ، ونيّة صادقة.
ويدلّ على قوله في الرواية الاخرى : «يخرج من النار من قال : لا إله إلّا الله ، وكان في قلبه من الخير ما يزن ... كذا».
وهذا الذي قاله القاضي يشكل عليه امور :
أحدها : رواية البخاريّ المتقدّمة ، وقوله : «إيمان» مكان «خير» والروايات يفسّر بعضها بعضاً.
والخير أعمّ من الإيمان ، فيصدق على من ليس عنده إلّا مجرّد الإيمان أنّ عنده خيراً.
فلو لم يرد إلّا هذه الرواية كانت دالّة على إخراج جميع المؤمنين ، فكيف وقد رد وصحّ التصريح بالإيمان؟!