ومستند من فرّق بين السبب والشرط : أنّ إيجاب المسبّب لو كان مقيّداً بحال وجود السبب ، لكان إيجاباً لتحصيل الحاصل ؛ لأنّ المسبّب حاصل مع السبب ، بخلاف الشرط.
وقد أطلنا في ذلك ، والمقصود أنّ الزيارة إذا كانت مندوبة في حقّ البعيد ، والسفر شرط لها ، كان مندوباً ، وهذا لم يحصل فيه نزاع بين العلماء.
فإن قلت : هل يقولون إنّ كلّ سفر للزيارة مندوب ، أو مطلق السفر لها؟
قلت : قد تقرّر في اصول الفقه أنّ الأمر بالماهيّة الكلّية ليس أمراً بشيء من جزئيّاتها ، ولكنّه مأمور بجزئيّ من الجزئيّات لا بعينه ؛ لأنّه لا يتحقّق الإتيان بالكلّي بدونه ، وهو مخيّر في تعيين ذلك الجزئيّ ، فإذا أتى بجزئيّ معيّن خرج عن عهدة الأمر وتقول : إنّه أتى بالمأمور به ؛ وهو الكلّي والجزئيّ لا بعينه ، وأمّا هذا الجزئيّ المعيّن فلا تقول : إنّه مأمور به ، لأنّه مخيّر فيه ، ولكنّه قربة وطاعة ؛ لأنّه فعل لامتثال الأمر.
فكلّ سفر يقع بقصد الزيارة ، ولم يقترن به قصد محرّم أو مكروه ، فهو قربة ؛ لكونه موصلاً إلى قربة ، وبه يحصل أداء السفر المأمور به ؛ لأنّه حاصل في ضمن ذلك المشخّص ، ولا تقول : إنّ ذلك المشخّص هو المأمور به ؛ لأنّ الأمر إنّما يتعلّق بكلّي ، وهذا جزئيّ ، لكنّه قربة ؛ لكونه قصد به القربة ، ووسيلة إليها.
فالقربة تصدق على الكلّي والجزئيّ ، والطلب لا يتعلّق إلّا بكلّي ، والسفر المعيّن وسيلة إلى الزيارة ، وليس شرطاً فيها ، ومطلق السفر للزيارة وسيلة وشرط ، ومطلق السفر شرط ، وقد لا يقصد به التوسّل ، فلا يسمّى «وسيلة».
[بين المقدمة والوسيلة]
فإن قلت : هل المقدّمة هي الوسيلة ، أو غيرها؟