قلت : المقدّمة ما يتوقّف عليها الشيء ، وقد علمت خلاف الاصوليّين في أنّها هل تجب بوجوب ذلك الشيء ، أو لا؟ وذلك خارج عن كونها قربة أو ليست بقربة.
فإنّ الذي يتوقّف عليه الفعل قد يفعل بقصد القربة ، فيكون قربة ، وقد يفعل لا بقصد القربة ، فلا يكون قربة ، فمن مشى إلى مكّة لمقصد غير صالح ، ثمّ حجّ ، لم يكن سفره قربة ، ولكن سقط عنه الأمر بالمقدّمة ؛ لزوال السبب المقتضي لوجوبها.
وأمّا الوسيلة فقال الجوهريّ : الوسيلة ما يتقرّب به إلى الغير ، والجمع الوسل ، والوسائل ، والتوسيل والتوسّل واحد ، يقال : وسّل فلان إلى ربّه وسيلة ، وتوسّل إليه بوسيلة ؛ إذا تقرّب إليه بعمل ، انتهى كلام الجوهريّ (١).
فاسم «الوسيلة» إذا اطلق على المقدّمة ، فهو من حيث كونها يتقرّب بها ، لا من حيث كونها متوقّفاً عليها ، بل :
قد يكون المقصد متوقّفاً على الوسيلة بعينها ، فيجري في وجوبها الخلاف السابق.
وقد لا يتوقّف المقصد عليها بعينها ، بل على ما هو أعمّ منها ، ويختارها العبد للتوسّل بها.
وقد لا يتوقّف المقصد عليها أصلاً في نفس الأمر ، ولكن يقصد العبد أو يتوهّم توقّفه ، أو خطر بباله أنّها موصلة إليه ، ولم يخطر بباله أمر آخر.
ففي كلّ هذه الأحوال تسمّى «وسيلة» و «قربة» لا يجري فيها الخلاف الاصوليّ.
فالوسيلة لا تطلق على المقدّمة حتّى يقصد بها التقرّب إلى المقصود ، ولا
__________________
(١) الصحاح للجوهري (٥ / ١٨٤١) باب اللام فصل الواو (وسل).