مالكاً رحمهالله عن أن يستدلّ بالحديث على هذا المقصود ، وأوجبنا تأويل كلامه على إرادة البقعة لعينها.
وهكذا القاضي عياض ، فإنّه قال في «الإكمال» (١) : قوله عليه الصلاة والسلام : «لا تشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد» فيه تعظيم هذه المساجد ، وخصوصها بشدّ الرحال إليها ؛ لأنّها مساجد الأنبياء عليهمالسلام ، وتفضيل الصلاة فيها ، وتضعيف أجرها ، ولزوم ذلك لمن نذره ، بخلاف غيرها ممّا لا يلزم ولا يباح شدّ الرحال إليها ؛ لا لناذر ، ولا لمتطوّع ، بهذا النهي ، إلّا ما ألحقه محمّد بن مسلمة من مسجد قباء.
وهذا الكلام من القاضي عياض ليس فيه تعرّض لزيارة الموتى أصلاً ، ولا يجوز أن ينقل ذلك عنه بتصريح ولا بإشارة ، وإنّما أشار به إلى غير الثلاثة من المساجد.
[عنوان المسألة في كتب الفقه]
فإن قلت : قد قال ابن قدامة الحنبليّ في كتاب «المغني» (٢) : فصل : فإن سافر لزيارة القبور والمشاهد فقال ابن عقيل : لا يباح له الترخّص ؛ لأنّه منهيّ عن السفر إليها ، قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا تشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد».
والصحيح إباحته ، وجواز القصر فيه ؛ لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يأتي قباء ماشياً وراكباً ، وكان يزور القبور ، وقال : «زوروها تذكّركم الآخرة».
وأمّا قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا تشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد» فيحمل على نفي
__________________
(١) الإكمال للقاضي عياض.
(٢) المغني لابن قدامة (٢ / ١٠٣).