يحصر همّه فيما حضره ، وينسى ماضيه ، وما عسى أن يستقبله ، فإذا أنعم الله عليه بنعمة ، غرّته ، ومنعه البخل والحرص من عمل الخير.
(وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) (٧) : وإن أعماله كلّها لتشهد بذلك ، وانه ليعترف بذلك بينه وبين نفسه ؛ أو أن الله على كنوده لشاهد على سبيل الوعيد.
(وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (٨) : وإن الإنسان بسبب حبه للمال ، وتعلّقه بجمعه وادّخاره ، لبخيل ، شديد في بخله ، ممسك مبالغ في إمساكه ، متشدّد فيه.
ومن ثمّ تجيء اللفتة الأخيرة في السورة ، لعلاج الكنود والشحّ والأثرة ، مع عرض مشهد من مشاهد الاخرة.
[الآيات ٩ ـ ١١] : (أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (١٠) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) (١١).
وهو مشهد عنيف مثير : بعثرة لما في القبور ، بعثرة بهذا اللفظ العنيف المثير ، وتحصيل لأسرار الصدور ، التي ضنّت بها ، وخبّأتها بعيدا من العيون ، تحصيل بهذا اللفظ القاسي ؛ ومفعول «يعلم» محذوف ، لتذهب النفس في تخيله كل مذهب.
أي أفلا يعلم الكنود الحريص ، ما يكون حاله في الاخرة يوم تكشف السرائر؟
أفلا يعلم ظهور ما كان يخفى من قسوة وتحيّل؟ أفلا يعلم أنّه سيحاسب عليه؟ أفلا يعلم أنه سيوفّى جزاء ما كفر بنعمة ربه؟
وتختم السورة بعدل الجزاء ، وشهادة الخبير ، بقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) (١١).
فالمرجع إلى ربّهم ، وإنّه سبحانه لخبير بهم (يومئذ) وبأحوالهم وبأسرارهم ، والله خبير بهم في كل وقت وفي كل حال ؛ وإنّما خص هذا اليوم بذلك ، لأن هذه الخبرة يعقبها الحساب والجزاء.
كما قال تعالى : (سَنَكْتُبُ ما قالُوا) [آل عمران : ١٨١] مع أنّ كتابة أقوالهم حاصلة فعلا ، والمراد سنجازيهم بما قالوا جزاء يستحقونه.
إن السورة قطعة رائعة ، لعرض سلوك الإنسان ، والوصول به الى مرحلة الجزاء ، في أسلوب قوي آسر