المغمّس بالقرب من مكّة ، ثم أرسل إلى أهل مكة يخبرهم أنه لم يأت لحربهم ، وإنّما أتى لهدم البيت ، ففزعوا منه ، وانطلقوا إلى شعف الجبال (١) ينتظرون ما هو فاعل.
وأرسل أبرهة إلى سيّد مكّة ليقابله.
قال ابن إسحاق : «وكان عبد المطّلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم ، وهو يومئذ سيّد مكّة ، فقدم الى أبرهة ، فلمّا رآه أبرهة أجلّه وأعظمه ، وأكرمه عن أن يجلسه تحته ، وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير ملكه. فنزل أبرهة عن سريره ، فجلس على بساطه ، وأجلسه معه إلى جانبه ، ثمّ قال لترجمانه : قل له ما حاجتك؟ قال حاجتي : أن يرد عليّ الملك مائتي بعير أصابها لي. فلما قال ذلك ، قال أبرهة لترجمانه قل له : قد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم قد زهدت فيك حين كلّمتني ، أتكلّمني في مائتي بعير أصبتها لك ، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك ، قد جئت لهدمه لا تكلّمني فيه؟ قال له عبد المطلب : إني أنا ربّ الإبل ، وإنّ للبيت ربّا سيمنعه ، قال : ما كان ليمتنع مني ، قال أنت وذاك ، فردّ عليه إبله.
ثمّ انصرف عبد المطلب الى باب الكعبة فأمسك بحلقه ، وقام معه نفر من قريش ، يدعون الله ويستنصرونه.
فأما أبرهة ، فوجّه جيشه وفيله لما جاء له ، فبرك الفيل دون مكة لا يدخلها. وجهدوا في حمله على اقتحامها فلم يفلحوا.
ثم كان ما أراده الله من إهلاك الجيش وقائده ، فأرسل عليهم جماعات من الطير ، تحصبهم بحجارة من طين وحجر ، فتركتهم كأوراق الشجر الجافة الممزّقة ، وأصيب أبرهة في جسده ، وخرجوا به معهم ، يسقط أنملة أنملة ، حتى قدموا به صنعاء ، فما مات حتّى انشق صدره عن قلبه ، كما تقول الروايات.
«وكان بين عام الفيل وبين المبعث نيّف وأربعون سنة. وكان قد بقي بمكّة من شاهد تلك الواقعة ، وقد بلغت حد التواتر حينئذ ، فما ذاك إلّا إرهاص للرسول (ص)».
وسئل أبو سعيد الخدري عن الطير
__________________
(١). أي أعلاها.