بالدين هو الذي أقفر قلبه من الرحمة ، وأجدب من العدل والمكرمة ، «فويل لأولئك الذين يصلّون ، ويؤدّون ما يسمى صلاة في عرفهم من الأقوال والأفعال ، وهم مع ذلك ساهون عن صلاتهم ، أي غافلة قلوبهم عمّا يقولون وما يفعلون ، فهو يركع في ذهول عن ركوعه ، ويسجد في لهو عن سجوده». وإنّما هي حركات اعتادها ، وأدعية حفظها ، ولكنّ قلبه لا يعيش معها ، ولا يعيش بها ، وروحه لا تستحضر حقيقة الصلاة ، وحقيقة ما فيها.
[الآية ٦] : (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) (٦) أي يفعلون ما يرى للناس فقط ، ولا يستشعرون من روح العبادة ما أوجب الله على النفوس أن تستشعره.
«إنّهم يصلّون رياء للنّاس لا إخلاصا لله ، هم ساهون عن صلاتهم وهم يؤدّونها ، ساهون عنها لم يقيموها ، والمطلوب هو إقامة الصلاة لا مجرد أدائها ، وإقامتها لا تكون إلّا باستحضار حقيقتها ، والقيام لله وحده بها».
[الآية ٧] : (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) (٧) أي يمنعون المساعدة عن المستحقّ لها ، أو يمنعون ما اعتاد الناس قضاءه وتداوله فيما بينهم ، تعاونا وتازرا ، ولا يمنعه إلا كلّ شحيح يكره الخير.
«إنّهم يمنعون المعونة والبر والخير عن إخوانهم في البشريّة ، يمنعون الماعون عن عباد الله ، ولو كانوا يقيمون الصلاة حقّا لله ، ما منعوا العون عن عباده ، فهذا هو محك العبادة الصادقة المقبولة عند الله».
«وأكثر المفسّرين على أنّ الماعون اسم جامع لما لا يمنع في العادة ، ويسأله الفقير والغني في أغلب الأحوال ، ولا ينسب سائله إلى لؤم ، بل ينسب مانعه إلى اللؤم والبخل ، كالفأس والقدر والدلو والغربال والقدّوم ، ويدخل فيه الماء والملح والنار ، لما روي : ثلاثة لا يحل منعها : الماء والنار والملح.
وقد تسمّى الزّكاة ماعونا ، لأنه بسببها يؤخذ من المال ربع العشر ، وهو قليل من كثير. قال العلماء : ومن الفضائل أن يستكثر الرجل في منزله ممّا يحتاج إليه الجيران ، فيعيرهم ذلك ، ولا يقتصر على قدر الضرورة ، وقد يكون منع هذه الأشياء محظورا في الشريعة إذا استعيرت عن اضطرار».
إن الشرائع السماوية إنّما أنزلت