المكّيّة والسور المدنيّة. ففي هذه الآيات ، وفي سورة الضحى ، وهي من أوائل ما نزل من القرآن ، وصيّة باليتيم. وفي صدر سورة النساء المدنيّة تفصيل واف لرعاية اليتيم ، بدأ بقوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) (٢).
وقد وردت عدّة وصايا باليتيم في الآية السادسة ، والعاشرة ، والسادسة والعشرين من سورة النساء. كما تكررت الوصيّة باليتيم في آيات القرآن ، وأحاديث النبي (ص). فقال عليه الصلاة والسلام : «خير بيوت المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيوت المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه».
[الآية ٣] : (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) (٣) أي ولا يحث غيره على إطعام المساكين ، قال الإمام محمد عبده : «وهو كناية عن الذي لا يجود بشيء من ماله على الفقير ، المحتاج إلى القوت الذي لا يستطيع كسبا».
وليس المساكين هو الذي يطلب منك أن تعطيه وهو قادر على قوت يومه ، بل هذا هو الملحف الذي يجوز الإعراض عنه ، وتأديبه بمنعه ما يطلب ، وإنما جاء بالكناية ليفيدك أنه إذا عرضت حاجة المساكين ، ولم تجد ما تعطيه ، فعليك أن تطلب من الناس أن يعطوه ، وفيه حثّ للمصدّقين بالدين على إغاثة الفقراء ولو بجمع المال من غيرهم ، وهي طريقة الجمعيات الخيرية ، فأصلها ثابت في الكتاب بهذه الآية ، وبنحو قوله تعالى في سورة الفجر : (كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) (١٨).
ونعم الطريقة هي لإغاثة الفقراء ، وسد شيء من حاجات المساكين. «إن حقيقة التصديق بالدين ليست كلمة تقال باللسان ، وإنّما هي تحوّل في القلب ، يدفعه الى الخير والبر بإخوانه في البشرية ، المحتاجين إلى الرعاية والحماية ، والله لا يريد من الناس كلمات ، إنّما يريد منهم معها أعمالا تصدقها ، وإلا فهي هباء ، لا وزن لها عنده ولا اعتبار. وليس أصرح من هذه الآيات الثلاث ، في تقرير هذه الحقيقة ، التي تمثّل روح هذه العقيدة ، وطبيعة هذا الدين أصدق تمثيل».
[الآيتان ٤ ـ ٥] : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) (٥) أي إذا عرفت أن المكذّب