الممكن كلّه ، أي قل أستعيذ برب المخلوقات وبفالق الإصباح ، من كلّ أذى وشرّ يصيبني من مخلوق من مخلوقاته طرّا.
ثمّ خصّص من بعض ما خلق أصنافا ، يكثر وقوع الأذى منهم :
[الآية ٣] : (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) (٣) أصل المعنى في مادة غسق : السّيلان والانصباب ، وأصل الوقب : النّقرة في الجبل ونحوه ، ووقب بمعنى دخل دخولا لم يترك شيئا إلّا مرّ به.
والمراد من الغاسق هنا : الليل ، ووقب : أي دخل وغمر كلّ شيء ، كأنّما انصبّ عليه ، واشتدّت ظلمته. أي أستعيذ بالله من شرّ الليل إذا دخل ، وغمر كلّ شيء بظلامه. أستعيذ بالله من الظلام الحالك ، وما يختبئ فيه من حشرة مؤذية ، ومن شيطان تساعده الظلمة على الانطلاق والإيحاء ، أو من ظلمات النفس وغلبة الشكّ والحيرة. وعن ابن عبّاس : «هو ظلمة الشهوة البهيمية إذا غلبت واعية العقل» (١).
[الآية ٤] : (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) (٤) ، أي ومن شرّ النّمّامين الذين يقطعون روابط المحبة ، ويبدّدون شمل المودّة ، «والنميمة تشبه أن تكون ضربا من السحر ، لأنها تحوّل ما بين الصديقين من محبة الى عداوة ، بوسيلة خفيّة كاذبة ، والنميمة تضلّل وجدان الصديقين ، كما يضلّل الليل من يسير فيه بظلمته ، ولهذا ذكرها عقب ذكر الغاسق إذا وقب ؛ ولا يسهل على أحد أن يحتاط للتحفّظ من النّمّام ، فربما دخل عليك بما يشبه الصدق ، حتى لا يكاد يمكنك تكذيبه ، فلا بد لك من قوّة أعظم من قوّتك ، تستعين بها عليه» (٢).
والنفاثات في العقد : الساحرات الساعيات بالأذى ، عن طريق خداع الحواس ، وخداع الأعصاب ، والإيحاء إلى النفوس ، والتأثير والمشاعر ؛ وهنّ يعقدن العقد في نحو خيط أو منديل ، وينفثن فيها ، كتقليد من تقاليد السّحر والإيحاء.
ويصح أن يراد بالنفّاثات في العقد ، النساء الكيّادات اللواتي يفسدن عقد
__________________
(١). تفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري ، ٣٠ : ٢١٤.
(٢). تفسير جزء عم للإمام محمد عبده ، ص ١٣٨.