لو كان قائل هذا الكلام يبحث التعبير بـ «يريد» في آيات القرآن الكريم بدقة وتمعُّن لما تفوَّه بمثل هذا الكلام ، لأنّ هذه الكلمة طالما استعملت في الكثير من آيات القرآن الكريم بشأن الامور المتعلقة بالإرادة المستمرة من الماضي وحتى الآن ، ومن الآن إلى المستقبل ، وبتعبير آخر : إنّ هذه العبارة غالباً ماتستعمل للدلالة على استمرار وثبات المشيئة على شيء ما في الماضي والحاضر والمستقبل ، ويمكن ملاحظة صدق هذا الكلام في الآيات التالية :
(وَمَا اللهُ يُريدُ ظُلْماً لِلعَالَمِينَ). (آل عمران / ١٠٨)
(يُريدُ اللهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلَايُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ). (البقرة / ١٨٥)
(يُريدُ اللهُ انْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ). (النساء / ٢٨)
وبديهي أنّ مفهوم هذه الآيات ليس هو أنّ الله أراد ظلماً في السابق ، وكان يريد بكم العسر قبل ذلك ، أو أنّه لم يُرِدْ سابقاً التخفيف عنكم واليوم فعل هكذا ، بل إنّ مفاد هذه الآيات جميعها هو أنّه أراد هكذا في الماضي والحاضر وفي المستقبل.
وكذلك قال تعالى بشأن الشيطان : (وَيُرِيدُ الشَّيطَانُ أَنْ يُضِلَّهُم ضَلَالاً بَعِيداً). (النساء / ٦٠)
و (انَّمَا يُرِيدُ الشَّيطَانُ انْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَداوَةَ وَالبَغضَاءَ فِى الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ). (المائدة / ٩١)
و (بَلْ يُرِيدُ إِلانسَانُ لِيَفْجُرَ امَامَهُ). (القيامة / ٥)
يتضح جلياً من خلال هذه الآيات بيان الإرادة المستمرة للشيطان في الماضي والحاضر والمستقبل لإغواء الناس ، وذلك بخلق العداوة والبغضاء عن طريق الخمر والقمار ، وكذا مفهوم الآية الثالثة ، وهو : إنّ الإنسان الجاحد يريد أن يكون متحرراً على الدوام ويرتكب الذنب ، لذا فهو ينكر القيامة.
هنالك آيات كثيرة في القرآن تتابع هذا الموضوع ، غير هذه الآيات الست أعلاه التي تبيّن أنّ استعمال كلمة «يريد» بنحو الاستمرارية يشمل الأزمنة الثلاثة.