وفي الثانية والثالثة : (وَأَبرِىءُ الاكمَهَ وَالابرَصَ).
والرابعة : (وَأُحْىِ المَوتَى بِإذنِ اللهِ).
والخامسة : (وَانبّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرونَ فِى بُيُوتِكُم انَّ فِى ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ انْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنيِنَ).
إنّ التمعُّن في مضمون هذه الآيات والتفاوت في التعابير المستعملة فيها ، يوضح هذه المسألة وهي : أنّ المسيح عليهالسلام ينسب خلق الطير من الطين إلى الله تعالى ، بينما في الأقسام الثلاثة الاخرى ينسب (شفاء الأعمى ، والأبرص ، وإحياء الموتى) إلى نفسه ، ولكن باذن الله وأمره ، وهذا هو المقصود من الولاية التكوينية ، حيث إنّ الله تعالى قد يمنح مثل هذه القدرة للانسان بحيث يؤثر في عالم الخلق والطبيعة بأمره ، ويخرق الأسباب الطبيعية ، فيحيي الميت ويشفي المرضى الذين يستحيل علاجهم.
هذا النموذجٌ من الولاية التكوينية التي وهبها الله تبارك وتعالى لعبده المسيح عليهالسلام ، ولامانع أو حائل ابداً دون اعطاء مثل ذلك لسائر الأنبياء أو الأئمّة المعصومين عليهمالسلام.
وإذا قال قائلٌ : إنّ مقصود هذه الآية هو أنّ المسيح عليهالسلام كان يدعو فيبرىء الله المريضَ ، أو يحيى الميت ، فقد نطق بما يخالف ظاهر الآية ، لأنّ الآية تقول بوضوح : «بِإِذنِ الله» أي إنني أفعل ولكن تحقيق الفعل بإذن الله ، وليس هنالك من دليل لترك هذا والبحث عن معنى يخالف الظاهر.
بل ليس هنالك مانع أيضاً في مرحلة خلق الطير من أنْ يلقي الله تعالى هذا الأثر في فم عيسى عليهالسلام فيكون القيام بمثل هذا العمل بإذن الله ، بَيدَ أنّ بعض المفسرين لم يقتنعوا بهذا المعنى وقالوا : إنّ خلق الطير مستندٌ إلى الله مباشرة ، ولعلّ هذا القول يأتي لئلا يدعي الجهلاء الوهية المسيح ، لأنّ أمر الخلقة متعلقٌ به وحده :
وورد شبيه هذا المعنى أيضاً في سورة المائدة ، غاية الأمر أنّ الخطاب صادر من قبل الله تعالى للمسيح عليهالسلام لا على لسان المسيح عليهالسلام ، فيقول تعالى :
(وَاذْ تَخلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيرِ بِإِذْنِى فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيراً بِاذْنى وَتُبرِىءُ الاكْمَهَ