وكل ذلك كان من قبيل الولاية التكوينية أيضاً.
والخلاصة هو أنّه في جميع الحالات التي يمنح فيها الله تعالى لأحد عباده الخاصين القدرة والقوة للنفوذ في عالم الخلق والطبيعة ، يحصل لذلك العبد نوعُ من الولاية التكوينية.
* * *
والحديث في الآية الثالثة عن التصرف التكويني لشخص من المقربين لسليمان ومن خاصته ، بَيدَ أنّ اسمه لم يأت في القرآن سوى بوصف (الذي عنده علمٌ من الكتاب) ، فعندما خاطب سليمان عليهالسلام أصحابه وخاصته : (قَالَ يَاايُّهَا المَلَأُ ايُّكُم يَأتِيِنى بِعَرشِهَا قَبلَ أَنْ يَأْتُونىِ مُسلمِينَ* قَالَ عِفرِيْتٌ مِّنَ الجِنِّ أَنَا آتِيْكَ بِهِ قَبْلَ انْ تَقومَ مِن مَّقامكَ) ، ثم يضيف : (قالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكِتَابِ انَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ انْ يَرتَدَّ الَيكَ طَرفُكَ).
وبطبيعة الحال أنّ هذا لم يكن ادّعاءً فحسب ، بل إنّه نفّذ وعده ، إذ نقرأ في سياق الآية : (فَلَمّا رَآهُ مُستَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّى).
وهنا بحوث كثيرة :
من ذلك الذي كان عنده علمٌ من الكتاب؟ فالمعروف والمشهور أنّه كان وزير سليمان عليهالسلام ، (آصف بن برخيا) الذي يقال إنّه كان ابن اخته ، وطبقاً لما ورد في الرواية في تفسير العياشي في جواب الإمام محمد بن علي الجواد عليهالسلام ليحيى بن الأكثم فإنّ «آصف» كان وصي وخليفة سليمان عليهالسلام ، وكان نبيّاً ، وكان سليمان عليهالسلام يريد بهذا العمل تعريف العامة بمكانته ومنزلته ، وإلّا فإنّه كان يمتلك القدرة على هذا العمل من باب أولى (١).
وقد احتمل البعض أيضاً أنّ هذا الشخص كان سليمان نفسه (٢) ، إلّاأنه لا ينسجم وظاهر الآية.
__________________
(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ٩١ ، ح ٧٧ كما نقل هذا المعنى بصريح القول في تفسير الدر المنثور عن ابن عباس وآخرين بأنّ القائل كان آصف بن برخيا حيث كان الاسم الآخر له «اتمليخا» ، (تفسير در المنثور ، ج ٥ ، ص ١٠٩).
(٢) نقل هذا الاحتمال في تفسير الميزان ، ج ١٥ ، ص ٣٦٣ واشكَل عليه.