فقال القوم كلهم : بل ساحرٌ كذاب عجيب السحر ، خفيفٌ فيه ، وهل يصدقك في أمرك إلّا مثل هذا «يعنونني»؟
«وإنّي لمن قوم لا تأخذهم في الله لومة لائم ، سيماهم سيما الصديقين ، وكلامهم كلام الأبرار ، عمارُ الليل ومنار النهار ، متمسكون بحبل القرآن ، يحيون سنن الله وسنن رسوله ، لا يستكبرون ولا يعلون ، ولا يغلون ولا يفسدون ، قلوبهم في الجنان وأجسادهم في العمل» (١).
تأملوا تعابير هذه الخطبة قليلاً ، فإنّها تثبت أنّ هذا الأمر الخارق للعادة حدث بنفوذ وتصرف النبي صلىاللهعليهوآله في التكوين ، وعليه فما ورد في ذيل هذه العبارة : «إنّ الشجرة فعلت مافعلت بأمر الله تعالى» ، هو أمر الله وإذنه والقدرة التي قد وهبها لنبيه لمثل هذا التصرف ، كما ورد التعبير بـ «إذن الله» في بداية هذه الكلمة.
بناءً على ذلك ، فالتعابير مثل : مُرْ ليحدث كذا أو كذا ، وكلام رسول الله صلىاللهعليهوآله أيّتها الشجرة افعلي كذا وكذا ، كلها أدلة على ولاية النبي صلىاللهعليهوآله ونفوذه التكويني.
* * *
٢ ـ يروي المرحوم العلّامة المجلسي في كتاب بحار الأنوار عن سلمان الفارسي : لما قدم النبي صلىاللهعليهوآله المدينة تعلق الناس بزمام الناقة ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله : ياقوم دعوا الناقة فهي مأمورة ، فعلى باب من بركت فأنا عنده (وهذا أفضل طريق للخلاص من كل اختلاف وتفرقة).
فأطلقوا زمامها وهي تهف في السير حتى دخلت المدينة ، فبركت على باب أبي أيوب الأنصاري ، ولم يكن في المدينة أفقر منه ، فانقطعت قلوب الناس حسرةً على مفارقة النبي صلىاللهعليهوآله ، فنادى أبو أيوب : «ياامّاه افتحي الباب ، فقد قدم سيد البشر ، وأكرم ربيعة ومضر ، محمد المصطفى والرسول المجتبى».
فخرجت وفتحت الباب وكانت عمياء ، فقالت : «واحسرتاه ليت كانت لي عين أبصر بها
__________________
(١) نهج البلاغة ، الخطبة ١٩٢ (القاصعة).