التكاليف الثقيلة والصعبة على كاهل إبراهيم عليهالسلام ، ليتمحص ـ جيداً ـ في الابتلاء ، وهي عبارة عن التصدي الشجاع لعبدة الأوثان ، وتحطيم الأصنام ، وإلقائه في النار ، والاستقامة والثبات في جميع هذه المراحل.
وكذلك الاستعداد للتضحية بفلذة كبده ، والتوجه به إلى مكان الذبح ووضع السكين على رقبته ، ولم ينشغل بعياله وتركهم في صحراء مكة القاحلة الرمضاء ، غير المسكونة ، وأخيراً الهجرة من بلاد عبدة الأوثان والتخلي عن الحياة من أجل أداء رسالته ، وحقاً أنَّ كلاً منها كان اختباراً قاسياً وصعباً ، إلّاأنّ إبراهيم قد خرج من جميع تلك الاختبارات ظافراً وذلك بفعل قوة الإيمان والثبات والصبر.
وقد أحصى بعض المفسرين الموارد التي ابتلي بها إبراهيم أنّها بلغت ثلاثين ابتلاءً ، ويقولون : إنّ هذه الموارد الثلاثين قد ذُكرت في ثلاثة آيات من القرآن الكريم ، فقد ذُكرت «عشرة منها» في الآية ١٣ من سورة التوبة ، و «عشرة» في الآية ٣٥ من سورة الأحزاب ، وذُكرت «عشرة منها» في الآيات ١ إلى ٩ من سورة «المؤمنون» إذ يصبح مجموعها ثلاثين وصفاً أو ثلاثين مادة امتحانية (١) ولكن نظراً إلى أنّ جانباً مهماً من هذه الصفات قد تكرر ذكره وأنّ عددها لا يصل إلى الثلاثين ، فإنّ هذا الكلام لا يحظى بالقبول نوعاً ما.
على أيّة حال فقد خرج إبراهيم بطل تحطيم الأصنام ، والنبي المخلص والمضحي ظافراً من جميع تلك الابتلاءات القاسية والصعبة فاستحق ارتداء جلباب الإمامة ، وشرفه الله بهذا الخطاب المفعم بالفخر : (انِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ امَامَاً).
ما هو هذا المقام الذي ناله إبراهيم في آخر عمره بعد نيله مقام النبوة والرسالة ، وبعد ذلك الجهاد الطويل؟
من المسلم به أنّه كان أسمى وأرفع منها جميعاً ، فمن اجتاز ذلك الاختبار الصعب يستحق هذه المكرمة الإلهيّة.
__________________
(١) تفسير روح المعاني ، ج ١ ، ص ٣٣٥ (وقد اضاف عليها بعض المفسرين سورة المعارج وقالوا : إنّها جاءت في أربع سورٍ من القرآن).