لقد كان للمفسرين جدالٌ طويل في تفسير معنى الإمامة ، وحيث إنّ بعضهم لم يستطع بلوغ أسرار المعنى السامي لهذه الكلمة ، فقد وقعوا في متاهات عجيبة.
والأعجب من ذلك هو أنّ طائفة من مشاهير المفسرين قد فسّروها بمعنى النبوة ، بينما من المسلم به أنّ إبراهيم عليهالسلام كان نبياً وقتذاك ، وقد فاتت سنوات على نبوته ورسالته ، وأصبح ذا ذرية ، وفي سياق الآية يطلب الإمامة لأبنائه وذريته أيضاً.
يرى الكثير من المفسرين أنّ الكلمات التي ابتلى الله تعالى بها إبراهيم عليهالسلام كانت عبارة عن مجموعة من التعاليم والأوامر التي أمره بها الله تعالى ، كمقارعة عبدة الأوثان وبناء الكعبة وذبح ابنه ، إلّاأنّهم والحالة هذه قد فسّروا الإمامة بالنبوة ، مع العلم أنّ هذه الأوامر وهذه التضحيات كانت بعد بلوغ إبراهيم عليهالسلام مقام النبوة ، وأنّ عبارة : (انِّى جَاعِلُكَ لِلَّناسِ امَامَا) غامضة تماماً في تفسيرهم.
والمعنى الآخر الذي قالوه بصدد الإمامة هو وجوب الطاعة ، ولا يخفى أنّ إطاعة كل نبي واجبة ولا حاجة له إلى نيل مقام آخر (١).
وقد ذكر البعض تفسيراً ثالثاً لها وقالوا : المراد هو الرئاسة في امور الدين والدنيا ، أو بتعبير آخر : زعامة الحكم.
إنّ هذا التفسير وإن كان أفضل من سابقيه إلّاأنّه لم يدخل إلى عمق معنى الإمامة.
وحسب اعتقادنا واستناداً إلى سائر آيات القرآن التي تبحث في مجال الإمامة ، فإنّ المقصود بالإمامة هنا أنّها مقام أسمى وأرفع من هذا كله ، وهو تطبيق الأحكام ، وتنفيذ الحدود الإلهيّة ، وتربية وتهذيب ظاهر وباطن الإنسان.
وللتوضيح أكثر أنّ الهدف من بعثة الأنبياء وارسال الرسل هو هداية المجتمع البشري ، وهذه الهداية تتخذ بعدين ، الأول : الهداية التي تعني «اراءة الطريق» أي ما كلف به أيُّ نبيٍّ من الأنبياء ، والثاني : «الايصال إلى المطلوب» وهو يتفرع إلى فرعين :
__________________
(١) ذكر تفاسير روح البيان ؛ والكشاف والمراغي ؛ والقرطبي ؛ والمنار ؛ سُنن إبراهيم العشرة المعروفة ؛ والأوامر والنواهي الإلهيّة ، ومجموعة هذه التعليمات.