الفرع الأول : الهداية التشريعية ، وتطبيق الأحكام الدينية ، سواء عن طريق إقامة الحكم وتطبيق الحدود والأحكام الإلهيّة والعدالة الاجتماعية ، أو عن طريق تربية وتعليم النفوس بشكل عملي ، وكلاهما يؤدّي إلى تحقيق اهداف الأنبياء ، ويحتاج إلى مخطط مرهق وصعب للغاية ، وإلى مواصفات كثيرة كالعلم والتقوى والشجاعة والإدارة.
الفرع الثاني : الهداية التكوينية والهداية إلى المطلوب من خلال التأثير والنفوذ المعنوي والروحي وتوجيه شعاع الهداية إلى افئدة ذوي الاستعداد من الناس ، وهذا يتطلب من أيّ نبيّ أو إمام أن يكون حسن السيرتين ، الظاهرية والباطنية وهي التي كانت للأنبياء والأئمّة ازاء أتباعهم ، ومن المسلم به أنّ مثل هذا الأمر يتطلب المزيد من المواصفات والمزايا والقابليات.
فمجموع هذين المخططين يحقق أهداف الدين والرسالات الإلهيّة ، ويوصل ذوي الاستعداد من البشر إلى التكامل المادي والمعنوي ، الظاهري والباطني ، وهذا هو المراد من الإمامة في الآية المذكورة ، ولم ينل إبراهيم عليهالسلام هذا المقام من دون أن يؤدّي الامتحان لنيل تلك المؤهلات والصفات.
ويستفاد ممّا تقدم أنّ مقام «الإمامة» يشترك مع مقام «النبوة» في الكثير من الحالات ، وبإمكان نبيّ من اولي العزم كإبراهيم أن يبلغ مقام الإمامة أيضاً ، والأكثر وضوحاً من ذلك هو أنّ اجتماع مقام «النبوة» و «الرسالة» و «الإمامة» في خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله متحقق فعلاً.
ويمكن أن ينفصل مقام الإمامة عن مقام النبوة والرسالة ، كما في الأئمّة المعصومين عليهمالسلام الذين يعلمون مسؤولية الإمامة فقط ، من دون أن ينزل عليهم الوحي ويكونوا «رسلاً» أو «أنبياء».
على أيّة حال ، فمن خلال مطلع هذه الآية تتضح جيداً عظمة مقام الإمامة ، وأن تعيين الإمام من قبل الله تعالى : (قَالَ انِّىِ جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ امَاماً).
وذيل هذه الآية يوكّد كثيراً على هذا الموضوع ، فهو يقول : إنّ إبراهيم عليهالسلام لما أُعطي هذا المقام قال : (ومن ذرّيتي).