فجاءه الخطاب قائلاً : (لا ينال عهدي الظالمين) ، أي أن النفر من ذرّيتك الذين لم يظلموا ، وكانوا معصومين ومطهرين هم المؤهلون لهذا المنصب فقط.
لا شك في أنّ الظلم في هذه العبارة ليس ظلم الآخرين فحسب ، بل الظلم بالمعنى الشامل الذي يقابل العدالة ، و «العدالة» بمفهومها الواسع تعني وضع الشيء في محله ، والظلم يعني وضعه في المحل الذي لا يناسبه ، لذا ينقل القرآن الكريم عن لسان لقمان حيث يقول لابنه : (يَا بُنَىَّ لَاتُشْرِكْ بِاللهِ انَّ الشِّركَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ). (لقمان / ١٣)
كما يتضح أنّ العدالة هنا تعني العدالة التامة ، أو بتعبير آخر مقام العصمة الذي يتناسب والإمامة بمفهومها الشامل ، وإلّا فالعدالة القابلة للنقص والاقتران بالذنب لا تتلائم مع مقام الإمامة بمعناها الرفيع أبداً.
وبناءً على ذلك يمكن الاستدلال بالآية أعلاه لإثبات عصمة الإمام أيضاً ، بَيدَ أنّ الكلام في الصفات هل يكون مقروناً بالعدالة وترك جميع أشكال الذنب مدى الحياة ، أم أثناء التصدي للإمامة؟ فالبعض واستناداً إلى البحث الاصولي المشهور من أنّ في المشتق الحقيقي «من تلبس بالمبدأ» هو في حال النسبة ـ أي حينما ننسب صفة من الصفات لأحد يجب أن يمتلك تلك الصفة في حال نسبتها إليه ، فمثلاً تطلق كلمة القائم على الذي يتمتع بصفة القيام أثناء نسبة هذه الصفة إليه ، ولا تطلق على الذي كان قائماً وقد جلس الآن ـ يعتقد أنّ مفهوم الآية هو عدم تمتعه بصفة الظلم أثناء توليه الإمامة ، لا بشرك ولا بذنب ، وليس ملوثاً بأي معصية اخرى ، وعليه فالعدالة والعصمة لا تشمل بداية الحياة.
إلّا أننا نقرأ في الروايات أنّ أئمّة أهل البيت عليهمالسلام واتباعاً لرسول الله صلىاللهعليهوآله قد استدلوا بهذه الآية على العدالة في جميع مراحل العمر : إذ ينقل عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّ الله تعالى قال لإبراهيم عليهالسلام : «لا اعطيك عهداً للظالم من ذريتك ، قال : ياربّ ومن الظالم من ذرّيتي الذي لا ينال عهدك؟ قال من سجد لصنم من دوني لا اجعله إماماً أبداً ولا يصلح أن يكون إماماً» (١).
__________________
(١) أمالي الشيخ المفيد ، (مطابق لنقل تفسير البرهان ج ١ ، ص ١٥١ ح ١٣).