النبي صلىاللهعليهوآله ، وكانت الأفئدة تمتلئ بالمعنويات ولم تزل اشعاعات هذه اللذة المعنوية وهذه العبادة العظيمة تنعكس في النفوس.
وكان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله الذين كان عددهم كثيراً للغاية لا تسعهم أنفسهم نتيجة لإدراكهم هذا الفيض والسعادة العظيمة (١).
ولم يكن أهل المدينة وحدهم الذين يرافقون رسول الله صلىاللهعليهوآله في هذا السفر ، بل كان المسلمون من مختلف بقاع الجزيرة العربية برفقته صلىاللهعليهوآله لنيل هذا الفخر التاريخي العظيم.
وكانت شمس الحجاز تضفي على الجبال والأودية حرارة لا تطاق ، إلّاأنّ حلاوة هذا السفر المعنوي النادر كانت تيسِّر كل شيء ، وقد اقترب الظهر ، وأخذت منطقة الجحفة ، وصحراء «غدير خم» الجافة الرمضاء تبدو للعيان.
ومن هذا المكان الذي يتشعب إلى أربعة طرق يفرق أهل الحجاز ، فطريق يتجه إلى الشمال نحو المدينة ، وطريق إلى الشرق نحو العراق ، وطريق إلى الغرب نحو مصر ، وطريق إلى الجنوب نحو اليمن ، وهنا يجب أن تُطرح آخر المستجدات في هذا السفر ، ويتفرق المسلمون بعد استلامهم لآخر حكم وهو في واقع الأمر كان خط النهاية في الواجبات الناجحة للنبي صلىاللهعليهوآله.
كان ذلك في يوم الخميس من السنة العاشرة للهجرة ، وقد مضت عشرة أيّام على عيد الأضحى ، وفجأة صدر الأمر من الرسول صلىاللهعليهوآله إلى الذين معه بالتوقف ، ونادى المسلمون بأعلى أصواتهم أصحابَهم الذين تقدموا الركب بالتوقف والعودة ، وامهلوا المتأخرين حتى يصلوا ، وزالت الشمس وصدح صوت مؤذن رسول الله صلىاللهعليهوآله بالأذان : الله أكبر ، داعياً الناس إلى صلاة الظهر ، وسرعان ما استعد الناس للصلاة ، إلّاأنّ حرارة الجو كانت إلى الحد الذي اجبر البعض على أنّ يغطي أرجله بقسم من ازاره ويستر رأسه بالقسم الآخر ، وإلّا فإنّ حصى الصحراء وأشعة الشمس ستحرق أرجلهم ورؤوسهم.
__________________
(١) ذكر البعض أنّ عدد الذين كانوا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله ٩٠ ألفاً ، والبعض ١١٢ ألفاً ، وبعضٌ ١٢٠ ألفاً ، وبعضٌ ١٢٤ ألفاً.