فلا خيمة في الصحراء ، ولا خضرة ، ولا نبات ، ولا شجرة ، سوى بعض الأشجار البرية الجرداء التي تقاوم حرارة الصحراء ، والتي لاذ بها البعض ، ووضعوا قطعة من القماش على إحداها وجعلوها ظلاً لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، إلّاأنّ الرياح اللاهبة تهب تحتها وتلفها بحرارة الشمس المحرقة.
وانتهت صلاة الظهر ، وعزم المسلمون على اللجوء إلى خيامهم الصغيرة التي كانوا يحملونها معهم ، بَيدَ أنّ النبي صلىاللهعليهوآله أوعز لهم بالاستعداد لسماع بلاغ إلهي جديد يُوضح ضمن خطبة مفصلة ، ولم يكن بمقدور البعيدين عن رسول الله صلىاللهعليهوآله رؤية وجهه الملكوتي وسط زحام الناس ، لذا فقد صنعوا له منبراً من أربعة من أحداج الإبل ، فارتقاهُ النبي صلىاللهعليهوآله ، وفي البداية حمد الله واثنى عليه واستعاذ به ، ثم خاطب الناس قائلاً :
«أيّها الناس : يوشك أن أُدعى فأُجيب.
أنا مسؤول ، وأنتم مسؤولون.
فكيف تشهدون بحقي؟
فصاح الناس : نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وجاهدت فجزاك الله خيراً ، ثم قال :
ألستم تشهدون أن لا إله إلّاالله ، وأنّي رسول الله إليكم ، وأنّ البعث حق ، وأنّ الله يبعث من في القبور؟! فقالوا : نشهد بذلك ، قال : اللهم اشهد ، ثم قال :
أيّها الناس أتسمعوني؟ قالوا : نعم ، ثم عمّ السكوت الصحراء فلم يسمع إلّاصوت الريح ، فقال صلىاللهعليهوآله : فانظروا ماذا صنعتم بالثقلين من بعدي؟
فقال رجل من بين القوم : ما هذان الثقلان يارسول الله؟!
قال صلىاللهعليهوآله : أمّا الثقل الأكبر فهو كتاب الله حبل ممدود من الله إليكم ، طرفه بيد الله والطرف الآخر بأيديكم ، فلا تدعوه ، وأمّا الثقل الأصغر فهم عترتي وقد أخبرني اللطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فلا تتقدموهما فتهلكوا ولا تتأخروا عنهما فتهلكوا.
ونظر الناس إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو يلتفت حوله ، وكأنّه يبحث عن أحد ، ولما وقعت