يكن يفكر بأن تعبيره التاريخي سيوضع يوماً أمام تعبيره التفسيري ويقام القياس بينهما ، وتجري محاكمتهما؟ ويجدر الانتباه إلى أنّ الطبري ليس فريداً في القيام بهذا الفعل ، فهنالك الكثير ممن مارسوا ويمارسون هذه الأفعال.
فقد نقل الآلوسي هذه الرواية أيضاً في روح البيان بشكل ناقص ومعيب ، ثمّ يضيف : «ومن الروايات ما يتمسك به الشيعة فيما يدعونه من أمر الخلافة وهو مؤول أو ضعيف أو موضوع» (١).
إنّ الأحكام المسبقة لهذا المفسر المعروف عجيبة حقاً ، فهو يقول : بما إنّ هذه الرواية تصب في صالح الشيعة فأمّا يجب أن توجه ، أو تضعف ، أو تعتبر مزورة ، أي أنّ أساس الحكم لايستند إلى الحقائق التاريخية والقرآن والسنّة ، بل إلى الأحكام المسبقة وكل ما يخالفها يجب غض الطرف عنه وتبريره وتضعيفه.
ومن البديهي أنّه لو اجتمع جميع الأنبياء والكتب السماوية لعجزوا عن النفوذ إلى عقلية من يمتلك مثل هذا النمط من التفكير ، وتغييره.
لقد ذكر «أحمد بن حنيل» أحد أئمّة مذاهب السنّة في كتابه المعروف بـ «مسند أحمد» قصة يوم الانذار إلى أن يقول : قال علي عليهالسلام قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لما نزلت هذه الآية (وانذر عشيرتك الاقربين ...) قال : جمع النبي صلىاللهعليهوآله من أهل بيته فاجتمع ثلاثون فأكلوا وشربوا فقال صلىاللهعليهوآله : من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنّة ويكون خليفتي في أهلي ... فقلت : أنا (٢).
يقول ابن أبي الحديد المعتزلي : أمّا خبر الوزارة (إشارة إلى الحديث الذي يثبت وزارة علي عليهالسلام) فقد نقله الطبري في تاريخه عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب عليهالسلام قال : لما انزلت هذه الآية (وانذر عشيرتك الاقربين ...) على رسول الله صلىاللهعليهوآله دعاني ... ثمّ نقل القصة إلى أن ذكر قول الرسول صلىاللهعليهوآله «وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على
__________________
(١) تفسير روح المعاني ، ج ١٩ ، ص ١٣٥ ذيل آية البحث.
(٢) مسند أحمد ، ج ١ ، ص ١١١ (مع شيء من الاختصار).