ياأمير المؤمنين بم ورثت ابنَ عمك دون أعمامك؟ قال : جمع رسول الله صلىاللهعليهوآله بني عبدالمطلب فصنع لهم مداً من الطعام فأكلوا حتى شبعوا ، وبقي الطعام كما هو كأنّه لم يُمس ، ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا ، وبقي الشراب كأنّه لم يُمس ، أو لم يُشرب ، فقال : «يا بني عبد المطلب إنّي بعثت إليكم خاصة وإلى الناس عامة وقد رأيتم من هذه الآية ما قد رأيتم ، أيّكم يبايعني على أنّ يكون أخي وصاحبي ووارثي؟» فلم يقم إليه أحد فقمت إليه وكنت أصغر القوم فقال : اجلس ، حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي ، ثم قال علي عليهالسلام : بذلك ورثت ابن عمي دون عمي (١).
وقد نقل «الطبري» المؤرخ الشهير هذا الحديث أيضاً بالتفصيل ، ويقول تعقيباً عليه : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله ، أومأ إلى علي عليهالسلام وقال : «إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا». فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع (٢).
ثمّ نقل الطبري هذا المعنى بطرق اخرى.
من الامور الظريفة أنّ الطبري المؤرخ والمفسر السنّي الكبير ، الذي نقل قصة يوم الانذار في «تاريخه» بهذا النحو ، عندما يأتي إلى «التفسير» (التفتوا إلى أنّ للطبري تفسيراً مفصلاً في ٣٠ جزء ، عدا التاريخ) ويصل إلى هذه الآية ويروي الحادثة المذكورة ، يقول : إنّ النبيّ عليهالسلام قال : «أيكم يؤازرني على هذا الأمر على أنّ يكون اخي وكذا وكذا ... ، قال علي عليهالسلام : أنا يا نبيَّ الله أكون وزيرك ... فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : إنّ هذا أخي وكذا وكذا» (٣).
فكما تلاحظون فإنّ هذا المفسّر المعروف يعبّر «بكذا وكذا» بدلاً عن وصيي وخليفتي فيكم ، وكرر هذا الأمر مرّتين لئلا يقع تعبير «الوصي والخليفة» بأيدي اتباع مذهب أهل البيت عليهمالسلام ويقدمونه وثيقة على خلافة علي عليهالسلام ، ويصاب حكم الطبري وأمثاله المسبق المليء بالتعصب!.
فهل هذا هو معنى المحافظة على الأمانة في تدوين ونقل أحاديث رسول الله صلىاللهعليهوآله؟ ألم
__________________
(١) تعليقات شواهد التنزيل ، ج ١ ، ص ٤٢٣.
(٢) تاريخ الطبري ، ج ٢ ، ص ٦٣.
(٣) تفسير جامع البيان ، ج ١٩ ، ص ٧٥ ، ذيل الآية ٢١٤ من سورة الشعراء.