وفي حديث آخر في الكتاب نفسه ، روي عن أبي ذر أنّه قال : «إنّ خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً مجدع الأطراف» (١).
وقد فسّر البعض مجدع الأطراف بمعنى من ولد في بيت غير طاهر وملوث. ومن المسلَّم به أنّ الساحة المقدّسة للنبي صلىاللهعليهوآله أطهرُ من أن يأمر خلافاً لمنطق العقل والشرع في الوقت الذي يروى عنه أنّه قال : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» وأجلى دليل على ابتداع مثل هذه الأحاديث هو أنّ أباذر الذي روي عنه الحديث لم يفعل هكذا بشهادة تاريخه ، حتى أنّه قد ضحى بنفسه بسبب اعتراضه على انحراف امراء وحكام عصره!.
وعلى أيّة حال ، من الواضح أنّ النبي صلىاللهعليهوآله أسمى من هذه الأقاويل ، فليس من إنسان عاقل ينطق بهذا الكلام ويقول : إنّ الحاكم واجب الطاعة في كل مايقول ويعمل ، لا سيما وأنّ هذا الحديث : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (٢) مشهورٌ بين علماء المسلمين سواء الشيعة أو السّنة.
ولا طاعة لبشرٍ في معصية الله (٣).
من هنا نستنتج أنّ أصح تفسير للآية هو اطاعة الأئمّة المعصومين عليهمالسلام.
ويبقى لدينا سؤالان لابدّ من الاجابة عنهما ، وهما :
١ ـ إذا كان معنى «أولي الأمر» هو الإمام المعصوم ، فهل يتناسب مع كلمة «اولي» التي تفيد الجمع؟ فباعتقاد الشيعة أنّ الإمام المعصوم واحد لا أكثر في كلّ عصر.
وقد اتضح الجواب عن هذا السؤال في البحوث السابقة ، فصحيحٌ أنّ الإمام المعصوم واحدٌ في كل زمن ، ولكن بالنظر لعمومية الآية بالنسبة لكافة الأزمنة ، فإنّ الأئمّة المعصومين بمجموعهم يشكلون مجموعةً ، ونظير هذا المعنى كثير في كلمات العرب ، فمثلاً نقول : السلام عليكم وعلى أرواحكم وأجسادكم. فلا يمكن الاعتراض على هذا السلام ، فكل إنسان لا يمتلك أكثر من روح وجسم ، فلماذا ذكرت الأرواح والأجساد هنا بصيغة الجمع؟ الجواب : إنّ هذا الجمع ناظرٌ للمجموع.
__________________
(١) صحيح مسلم ، ج ٣ ، ص ١٤٦٧ ، كتاب الامارة ، باب طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق.
(٢) نهج البلاغة ، كلمات القصار ، الكلمة ١٦٥.
(٣) تفسير در المنثور ، ج ٢ ، ص ١٧٧.