في البحوث السابقة وأثناء تفسير الآية ١٢٤ من سورة البقرة ، قرأنا ما يتعلق بعظمة مقام الإمامة والولاية في قصة إبراهيم عليهالسلام حيث أنّ الله تبارك وتعالى قد أخضع هذا النبي العظيم إلى العديد من الاختبارات المهمّة ، ولما خرج منها ظافراً قال له : (انِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ امَاماً) (فالإمامة تعني الهيمنة على الجسم والروح ، وتربية النفوس والمجتمعات البشرية).
وعندما سأل إبراهيم عليهالسلام هذا المقام لبعض ذريته وأبنائه ، جوبه بالرد الإلهي المشروط ، فقال تعالى : (لَايَنَالُ عَهدِىِ الظَّالِميِنَ) ، أي (أنّ الرهط الطاهر والمعصوم من أبنائك يستحقون هذا المقام فقط).
وقد تبيّن في تلك البحوث كيف أنّ هذا المقطع من الآية دليل على عصمة الأئمّة ، وأنّ الذين أمضوا عمرهم في طريق الكفر والشرك من ناحية الاعتقادات ، أو من ناحية أعمالهم حيث ارتكبوا الظلم بحق أنفسهم أو الآخرين ، لا يستحقون هذا المقام ، لأنّ الظلم بالمعنى الشامل للكلمة يشمل الظلم والشرك والكفر والانحرافات العقائدية ، وكذلك جميع أشكال التجاوز على الآخرين ، وظلم النفس عن طريق ارتكاب المعصية.
وحيث إنّ هذه البحوث قد جاءت هناك بشكل مفصل ومستفيض فلا نرى حاجة للتكرار ، وعليه فقد وضع القرآن الكريم الركيزة الأساسية لشرط عصمة الأئمّة في هذه الآية الكريمة.
والآن نعود إلى آية التطهير وبحث مسألة العصمة الواردة في هذه الآية :
صحيح أنّ هذه الآية تتوسط الآيات المتعلقة بنساء النبي صلىاللهعليهوآله إلّاأنّها تحمل نغمة مختلفة عنها ، وتشير إلى معنى آخر ، فجميع الآيات التي سبقتها وتلتها جاءت بضمير «جمع المؤنث» بينما جاءت الآية محل البحث بضمائر «جمع المذكر»!
ففي مستهل هذه الآية خاطب تعالى نساء النبي صلىاللهعليهوآله وأمرهنّ بالمكوث في بيوتهن ، وأن لا يخرجن بين الناس كما كان سائداً في الجاهلية ، ويحافظن على معايير العفة ، وأن يقمن الصلاة ويؤتين الزكاة ويطعن الله ورسوله (وَقَرنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلَاتَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجَاهِليَّةِ الاولَى وَاقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَاطِعنَ اللهَ وَرَسُولَهُ). (الاحزاب / ٣٣)