الأعداء والأصدقاء من موقع العفو واللطف والمحبّة (١) وكل هذه الامور تشير إلى أنّ الخلق العظيم لا ينحصر بالبشاشة والانعطاف في مواجهة الآخر ، بل هو مجموعة من الصفات الإنسانية السامية والقيم الأخلاقية الرفيعة ، وبعبارة اخرى : يمكن القول بأنّ جميع الأخلاق الحسنة الرفيعة جُمعت في عبارة (خلق عظيم).
وممّا يؤيد هذا المعنى ما ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : «إنّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَدّبَ نَبِيَّهُ فَأَحسَنَ أَدَبَهُ فَلَمّا أَكمَلَ لَهُ الأَدَبَ قَالَ (إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)» (٢).
وعند ما نقرأ في بعض الروايات أنّ الخلق العظيم يراد به الإسلام أو الآداب القرآنية إنّما هو لأنّ الإسلام والقرآن يحويان جميع الفضائل الأخلاقية ، في حين أنّ بعض الروايات الواردة في تفسير هذه الآية فسّرت (حسن الخلق) بالبشاشة والمداراة ومن ذلك الحديث الذي أورده (نور الثقلين) في ذيل هذه الآية عن الإمام الصادق عليهالسلام حيث سئل عن حسن الخلق في هذه الآية فقال : «تَلِينُ جانِبَكَ وَتُطَيِّبُ كَلامَكَ وَتلِقى أَخاكَ ببُشرِ حسنٍ» (٣).
ولكن الظاهر عدم التنافي بين هذين المعنيين.
وآخر ما يقال في هذا المورد والجدير بالتأمل في هذه الآية هو أنّ بعض المفسّرين إستفادوا من كلمة (على) في قوله (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) والتي تفيد مفهوم التسلّط والقدرة أنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله له تسلط كامل على الفضائل الأخلاقية وكأنّ الأخلاق والقيم الإنسانية جزء من كيانه الشريف حيث يتحرّك من هذا الموقع بدون تكلّف وتصنّع.
وتستعرض «الآية الثالثة» وصايا ونصائح (لقمان الحكيم) لولده حيث يذكر له أربعة امور مؤكّداً عليها :
الأول : قول : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ).
ثم أضاف (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ)
__________________
١ ـ مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٣١ ، ذيل الآية المبحوثة.
٢ ـ نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٨٩ ؛ اصول الكافي ، ج ١ ، ص ٢٦ ، ح ٤.
٣ ـ نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٩١.