فقال لي وأنا غافل غير ملتفت : أمّا صدرك فقد برأ وأمّا الامرأة فتأخذها عن قريب ، وأمّا فقرك فيبقى على حاله حتى تموت وأنا غير ملتفت إلى هذا البيان أبداً.
فقلت : ألا تروح إلى حضرة مسلم؟ قال : نعم فقمت وتوجّه أمامي فلّما وردنا أرض المسجد فقال : ألا تصلّي تحية المسجد ، فقلت : افعل فوقف هو قريباً من الشاخص الموضوع في المسجد وأنا خلفه بفاصلة فاحرمت الصلاة وصرت أقرأ الفاتحة.
فبينما أنا أقرأ وإذا يقرأ الفاتحة قراءة ما سمعت أحداً مثلها أبداً ، فمن حسن قراءته قلت في نفسي لعله هذا هو صاحب الزمان وذكرت بعض كلمات له تدل على ذلك ثم نظرت إليه بعد ما خطر في قلبي ذلك وهو في الصلاة وإذا به قد أحاطه نور عظيم منعني من تشخيص شخصه الشريف وهو مع ذلك يصلّي وأنا أسمع قراءته وقد ارتعدت فرائصي ولا استطيع قطع الصلاة خوفاً منه فأكملتها على أي وجه كان وقد علا النور من وجه الأرض فصرت اندبه وأبكي واتضجر واعتذر من سوء أدبي معه بباب المسجد وقلت له : أنت صادق الوعد وقد وعدتني الرواح معي إلى مسلم.
فبينما أنا اكلم النور وإذا بالنور قد توجّه إلى جهة مسلم فتبعته فدخل النور الحضرة وصار في جو القبة ولم يزل على ذلك ولم ازل أندبه وأبكي حتى إذا طلع الفجر عرج النور.
فلّما كان الصباح التفت إلى قوله ، أمّا صدرك فقد برأ وإذا أنا صحيح الصدر وليس معي سعال أبداً ، وما مضى اسبوع إلّا وسهّل الله علي أخذ البنت من حيث لا أحتسب وبقي فقري على ما كان كما أخبر صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين (١).
وما ذكر أعلاه نماذج ونقاط مضيئة من سيرة الأئمّة والأولياء العظام وبما يكون بمثابة تجلّيات نورانية لسلوكهم الأخلاقي السامي وحسن تعاملهم مع الصديق والعدو ، وهذه النماذج القليلة تدل على مدى تأكيد هؤلاء العظام والقادة على هذه السجية وأهميّتها في حياة الإنسان المعنوية ، وما ورد في القرآن الكريم حكاية عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله من حسن الخلق العظيم نجده مترجماً في سلوكيات الأئمّة الكرام عليهمالسلام في دائرة العمل والسلوك
__________________
١ ـ جنّة المأوى ، المطبوع بضميمة ج ٥٣ ، ص ٢٤٠.