الحج ، فوقع في قلبي ، فجئت إلى امّي وقلت لها : إنّه قد وقع في قلبي أن أخرج إلى مكّة؟
فقالت لي : فردّ دارهم فلان عليه فهاتها ، وجئت بها إليه فدفعتها إليه فكأني وهبتها له ، فقال : لعلّك استقللتها فأزيدك؟
قلت : لا ، ولكن قد وقع في قلبي الحج فأحببت أن يكون شيئك عندك ، ثم خرجت فقضيت نسكي ، ثمّ رجعت إلى المدينة فدخلت مع الناس على أبي عبد الله عليهالسلام ـ وكان يأذن إذناً عاماً ـ فجلست في مواخير الناس وكنت حدثاً ، فأخذ الناس يسألونه ويجيبهم ، فلما خفّ الناس عنه ، أشار إليَّ فدنوت إليه ، فقال لي : ألك حاجة؟ فقلت : جُعلتُ فداك أنا عبد الرحمن بن سيّابة ، فقال لي : ما فعل أبوك؟ قلت : هلك ، قال : فتوجّع وترحّم ، ثم قال : قال لي : أفترك شيئاً قلت : لا ، قال : فمن أين حججت؟ قال : فابتدأت وحدثته بقصّة الرجل ، قال فما تركني أفرغ منها حتّى قال لي : فما فعلت في الألف؟ قال : قلت : رددتها على صاحبها ، قال : فقال لي : قد أحسنت ، قال لي : ألا اوصيك؟ قلت : بلى جُعلت فداك.
قال عليهالسلام : «عَلَيكَ بِصدقِ الحَديثِ ، وَأَداءِ الأمانَةِ تُشرك النّاسَ فِي أَموالِهِم هكذا ـ وجمع بين أصابعه ـ» ، فحفظت ذلك عنه ، فزكيّت ثلاثمائة ألف درهم (١).
ونحن أيضاً رأينا في حياتنا أشخاصاً مثل هؤلاء الأشخاص فقد كان هناك تاجر متدّين في النجف الأشرف يعرفه الكثير من المعاصرين أيضاً وبسبب إشتهاره بالأمانة فإنّ الناس كانوا يودعون عنده أموالهم وودائعهم مطمئنون إلى حد أنّ الكثير من العلماء والفضلاء وطلّاب العلوم الدينية كانوا يسجّلون سندات بيوتهم بإسمه لأنّه كان يمتلك الجنسية العراقية ولعلّه كان عند وفاته قد بلغ عدد البيوت المسجّلة باسمه ما يربو على الخمسمائة بيت لهؤلاء العلماء والطلّاب ولم يواجه أي واحد منهم مشكلة في هذا المورد.
ومن جهة اخرى عند ما تسود الأمانة في المجتمع وفي العائلة فإنّها ستكون سبباً لمزيد من الهدوء والسكينة الفكرية والروحية ، لأنّ مجرّد احتمال الخيانة فإنّ ذلك يسبب القلق والخوف للأفراد بحيث يعيشون حالة من الإرتباك في علاقاتهم مع الآخرين ومن الخطر
__________________
١ ـ فروع الكافي ، ج ٥ ، ص ١٣٤ (مع التلخيص).