الأمانة تعدّ من معطيات العقل والتدبّر السليم والالتفات إلى عواقب الامور ونتائج الأفعال.
الأمانة هي دليل على أنّ الإنسان يعيش الواقع الحاضر ويرى حقائق الامور ويترك الخوض في الأوهام والخرافات والتصورات الزائفة.
الأمانة تنبع من شخصية الإنسان السامية وتمثّل نتيجة لحالة التفاني والتعالي في الروح الإنسانية ، لأنّ مثل هذا الإنسان لا يكون مستعداً لئن يبيع شخصيته ووجدانه لتحصيل المال والمقام وزخارف الدنيا عن طريق الخيانة.
وبكلمة واحدة فإنّ الأمانة وليدة الفهم والشعور والعقل والإيمان والاخلاص وأصالة الشخصية ، وأحياناً يكون الفقر والظلم عاملان من عوامل الخيانة ، فمن لا يحصل على حقوقه المشروعة في المجتمع من الطرق الصحيحة ويقع تحت طائلة الفقر والعوز فإنّه قد يؤدّي به إلى التلّوث بالخيانة ، ولهذا نرى أن التعاليم الدينية أكّدت على أن يموّل القاضي من بيت المال بشكل تام كيما يحفظ أمانته في القضاء بين الناس ، ونقرأ في عهد الإمام علي أمير المؤمنين عليهالسلام لمالك الأشتر أنّه يقول : «وَافسَحْ لَهُ فِي البَذلِ ما يُزِيلُ عِلَّتَهُ ، وَتَقِلُّ مَعَهُ حاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ ، وَأَعطِهِ مِنَ المَنزِلَةِ لَديكَ ما لا يَطمَعُ فِيهِ غَيرُهُ مِنْ خاصَّتِكَ لَيأَمَنَ بِذَلِكَ إِغتِيالَ الرِّجالَ لَهُ عِندَكَ فَانظُر فِي ذَلِكَ نَظَراً بَلِيغاً» (١).
ونختم هذا البحث بحديث مهم عن الإمام الصادق عليهالسلام في هذا الصدد يشير فيه إلى مصادر الخيانة المتنوعة ويوصي بالتوجّه إليها لحفظ الأمانة في واقع الإنسان والمجتمع فيقول : «مَنْ اؤتُمِنَ عَلى أَمانَةٍ فَأَدّاها فَقَد حَلَّ أَلفَ عُقدَةٍ مِنْ عُقَدِ النّارِ ، فَبادِرُوا بِأَداءِ الأَمانَةِ ، فَإنَّ مَنْ اؤتِمِنَ عَلى أَمانَةٍ وَكَّلَ بِهِ إبلِيسَ مِائةَ شَيطانٍ مِنْ مَردَةِ أَعوانِهِ لِيُضِلُّوهُ وَيُوسوِسُوا إِلَيهِ حتّى يُهلِكُوه إلّا مَنْ عَصَمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ» (٢).
__________________
١ ـ نهج البلاغة ، الرسالة ٥٣.
٢ ـ بحار الانوار ، ج ٧٢ ، ص ١١٤.