القرآن الكريم يتحرّك في هذه الآية من موقع التحذير لأصحاب النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله وأنّ هذه الهجرة هي إمتحان إلهي كبير (فاذا بقوا في مكّة فسوف ينالهم أنواع التعذيب من قبل المشركين ولو هاجروا إلى المدينة فسيواجهون أنواع الحرمان والفاقة) فيقول لهم القرآن الكريم أنّه لا تتصوّروا أنّ هذا الامتحان العسير في مواجهة تحدّيات الواقع من تعذيب المشركين أو الهجرة إلى المدينة أو الجهاد في سبيل الله ومواجهة الأعداء في ميدان القتال وأمثال ذلك منحصر بكم ، فقد سبق أن اختبرنا الأقوام السالفة بأنواع الاختبارات والابتلاءات ، وأساساً فإنّ الحياة الدنيا تدور حول الإمتحان والاختبار الإلهي ليتبيّن الصادق في إيمانه من الكاذب والمدّعي.
وفي الواقع أنّ هذه الآية تتحدّث عن الصدق بعنوان أنّه علامة الإيمان والكذب علامة النفاق والكفر.
وطبعاً إنّ الصدق والكذب في هذه الآية هو الصدق والكذب في العمل لا في القول ، العمل الذي ينسجم ويتوافق مع ا دّعاءات الإنسان السابقة ويرسم له سلوكه الاجتماعي في حركة الحياة ، والكاذب هنا هو الذي لا يتحرّك في سلوكه بما ينسجم مع إدعاءاته ، وأيضاً الصدق والكذب في العمل وفي القول لهما جذر مشترك ، لأنّ الصدق هو بيان الحقيقة والكذب على العكس من ذلك ، وهذا التبيّن تارة يكون بوسيلة القول واخرى بوسيلة العمل.
ومن مجموع الآيات أعلاه يتبيّن الأهميّة الكبيرة للصدق والصادقين وأنّ هذه الصفة تعد فضيلة أخلاقية من الفضائل التحتية للبناء الأخلاقي الفوقاني للإنسان ، نعم فإنّه متى ما وجد الصدق فإنّ الصفاء والأمانة والثقة والاعتماد والشجاعة سوف تحصل للإنسان بالتبع ، ولو لم يكن الصدق في واقع الإنسان فإنّ جميع هذه الصفات ستتبخّر وتتلاشى ويعيش الإنسان بدونها حالة الفراغ الروحي والجفاف المعنوي وحتّى أنّ الإيمان والعقيدة سوف لا تبقى سليمة كما هو المطلوب ، والملفت للنظر أنّ الآيات الكريمة تذكر الصدق بعنوان أنّه صفة من الصفات الأصلية للقادة الإلهيين كما أشارت إلى ذلك الآيات أعلاه وهذا إنّما يدلّ على أنّ سائر فضائل الإنبياء والأولياء تدور حول محور الصدق وعلينا إذا أردنا معرفتهم والاطّلاع