خلاف كثير بين العلماء في تعريفها ، فالبعض ذهب إلى أنّ الصدق هو مطابقة محتوى الكلام للواقع ، في حين ذهب البعض الآخر إلى أنّ الصدق هو مطابقة الكلام لاعتقاد الشخص واستدل بالآية الشريفة من سورة المنافقين حيث يقول تعالى : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ)(١).
ومن البديهي أنّ المنافقين الذين يشهدون على نبوّة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله تكون شهادتهم هذه مطابقة للواقع ، ولكن بما أنّها غير مطابقة لاعتقادهم ، فلذلك ذكرهم الله تعالى بأنّهم كاذبون ونسبهم إلى الكذب ، لأنّ هؤلاء يستخدمون هذه الشهادة بنبوّة النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله كأداة للتغطية على شخصيتهم حيث يكون مفهوم كلامهم أنّ هذه الشهادة مطابقة لاعتقادهم الباطني ، وبما أنّ هذا الكلام غير مطابق لواقعهم ، فلذلك كانوا كاذبين ، أي أنّ هؤلاء يكذبون في ادعاءاتهم أنّ هذه الشهادة مطابقة لمعتقدهم الباطني ، وعلى هذا الأساس يتبيّن أنّ الصدق على كل حال هو تطابق الكلام مع الواقع سواءاً كان الواقع الخارجي أو الباطني.
ولكننا نقرأ في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليهالسلام تعريفاً آخر للصدق والكذب وهو ناظر إلى بعد العبودية لله تعالى حيث يقول : «الصِّدقُ مُطابَقَةُ المنَطِقِ لِلوَضعِ الإِلَهي والكِذبُ زَوالُ المَنطِقِ عَنِ الوَضعِ الإِلَهي» (٢).
والمقصود من الوضع الإلهي ظاهراً هو وضع عالم الخلقة والوجود ، الذي يتحرّك بإرادة الله تعالى ، وعليه فإنّ هذا التعريف لا يخرج عن إطار التعريف السابق إلّا بدخوله في دائرة المضمون التوحيدي.
وبالطبع فإنّ الصدق والكذب كما يجريان في كلام الشخص فكذلك يجريان في عمله وسلوكه أيضاً ، فالأشخاص الذين يخالف عملهم ظاهرهم فإنّهم كاذبون من هذه الجهة ، والأشخاص الذين يتطابق ظاهرهم مع باطنهم وأعمالهم ، فإنّهم صادقون أيضاً.
__________________
١ ـ سورة المنافقون ، الآية ١.
٢ ـ غرر الحكم.